
هنا قام أحد التلامذة وسأل الطلاب هل ترون عقل الأستاذ ؟ فأجاب التلاميذ : كلا نحن لا نرى عقله , فقال التلميذ : إذن فعقل الأستاذ غير موجود , فبهت الذي كفر , وفرح المؤمنون بنصر الله لهم من خلال هذا التلميذ الصغير , ويستمر المتدينون بترويج هذه القصة الغبية , وفي أكثر من موقع , ويستشهدون بها على سطحية تفكيرهم ومحدوديته , إذ ليس هناك شيء في هذه الدنيا أسهل من أن تصنع لك عدواً , فسوف تقلم أظافره وتفرض عليه كل أسباب العجز حتى تنتصر عليه , وتقنع نفسك بأنك بديع زمانك , وهنا في هذه القصة يستوقفني أمر مهم و وهو تعريف العقل وماهيته , ومن أين يأتي تفكير الإنسان وأحاسيسه .
من منا لم يخفق قلبه يوماً لرؤية الحبيبة , أو فتاة جميلة على التلفاز , أو تسارعت نبضات قلبه من أمر مخيف أو شيء آلمه , لقد ظن الإنسان القديم بأن القلب هو من يتولى عملية التفكير استناداً لخفقات قلبه عند حدوث أمر معين , وهنا لم يكن بالإمكان أن يدرك الإنسان حقيقة حواسه في ظل عدم توافر العلوم , والتي قطعت بأن المخ هو مركز التفكير والإحساس في الجسم .
المهم في الموضوع هو الربط الخاطئ بين المخ كعضو في جسم الإنسان وبين العقل , إذ ليس بالإمكان ولا بأي شكل من الأشكال أن نعتبر وجود المخ وحده كافياً لأن نعتبر هذا الكائن الحي عاقلاً , فالقردة مثلاً وحتى البط العوّام لديهم مخ , ولكن هذا لم يكن وحده كافياً لأن يعقلوا , فالعقل لو أردنا أن نعطيه تعريفاً , فهو تفكير الإنسان وقدرته على السيطرة على هذا العالم , والذي ميزه عن باقي الكائنات الحية , وذلك سببه بالطبع ليس لأن الله قد استخلف الإنسان على الأرض كما تقول الميثولوجيا الدينية , بل لأن تاريخ الجنس البشري عبر ملايين السنين شهد مراحل عدة من التطور قادت إلى الجنس البشري الحالي .

ولكن حتى لا نكتفي بالقيام بدور الدفاع , فلعلي لا أكون متجنياً على المؤمنين عندما أجد أنهم يروجون لفكرة أن القلب هو الذي يفكر وليس العقل , وبالطبع فإن هذه الفكرة لم تأتي من فراغ , يقول محمد في قرآنه : وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (الأعراف 100 ) , وهنا فإن الواحد منا يحق له أن يتخيل ( خاصة لو كان مسلماً ) بأن الآية لا تعني بأن القلب هو الذي يفكر , بل إن كلمة قلوبهم تعني ما في داخلهم , ولو ارتضى المؤمنون هذا المعنى لرضينا نحن معهم أيضاً , ولكن يأبى دعاة الجهل إلا بالتمسك بحرفيات النصوص , ليزيدوا فينا الرغبة بنقدهم وتفنيد أكاذيبهم وخيالاتهم .
غير أننا عندما نبحث في القرآن أكثر وأكثر نجد أن القرآن في مواضع أخرى يكاد يقترب من الإقرار بالقول بأن القلب هو الذي يفقه . (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]. ولو تمعنّا في هذه الآية بالذات فإن الله قد حسم أمر الحواس عند الإنسان حيث :
1- قلوب لا يفقهون بها
2- أعين لا يبصرون بها
3- آذان لا يسمعون بها
إذن فكما العين تبصر والأذن تسمع , فالقلب أيضاً له مهمة وهي أن يفقه , ويا لعظم ورطتك يا محمد بهذا القول , ويا لغباء الإعجازيين عندما يصرون على التمسك بهذا القول , وطبعاً سوف تسألوني لماذا ؟؟؟؟
يروج المؤمنون لقصص تتحدث عن أناس غيّروا قلوبهم فتغير سلوكهم , ومنهم من كان مؤمناً بالله وشاءت الصدف أن يأخذ قلب آخر لملحد فأصبح من أخذ القلب هو أيضاً ملحداً , وهذه القصص تجدونها وبكثرة على الإنترنت , ويكفي أن تدخل إلى موقع Google وتكتب كلمة القلب يفكر وما أكثر ما سوف تجده من هذه المقالات , والتي يغلب عليها بالطبع طابع النسخ واللصق ( كعادتهم ) فتعالوا نناقش وبعقلانية تامة فكرة أو احتمال أن يكون القلب فعلاً له دور في التفكير .

أولاً : لن يختلف المؤمنون والملحدون على أن مهمة التفكير والإدراك سوف تكون من نصيب الجهاز العصبي , وعند المؤمنين فإنهم يصرون على أن الغرب الكافر قد أثبت بأن القلب يحتوي آلاف الخلايا العصبية , وبالتالي فإن القلب هو من يفكر , بينما نعرف نحن أن المخ هو الحاضن للإدراك والتفكير , فدور الخلية العصبية لا يقتصر فقط على مجرد التفكير , فلها مهام أخرى مثل الحركة والسمع والبصر والتذوق , وبالتالي فإن مجرد وجود خلايا عصبية في القلب ليس كافياً للزعم بأن القلب هو من سيتولى التفكير , فنحن نعرف بأن عضلة القلب سوف تبقى تنبض حتى آخر نفس في حياة الإنسان .وهذه الأعصاب سوف تتولى مهمة تحريك العضلة .
ثانياً : عندما يشعر أحدنا بالألم فإن هذا الشعور سوف يكون إما في يده أو رجله أو في عضو آخر , وهنا يجدر أن أنبهكم جيداً بأن الشعور بالألم ما هو إلا إشارة عصبية من المخ إلى العضو الذي أصابه الضير كي يتجنب سبب الإيلام , وليس لأن اليد هي نفسها التي حللت ذلك الشعور
يعني للتوضيح : فلنفرض أن يد رجل قد وقعت على إناء ساخن , عندها سوف تتولى المستقبلات العصبية نقل هذه الشارة إلى المخ , وسوف يقوم المخ بفك شيفرة هذه الشارة ليقوم بإرسال أمر لليد بالابتعاد عن الإناء الساخن , وفي هذه الحالة فإن الألم مصدره المخ , وما هو إلا وسيلة وقائية سخرتها الطبيعة لنا كي نحمي أنفسنا من غدر الظروف السيئة , وجربوا أن تسألوا رجلاً مشلولاً إن كان يشعر بالألم في رجله عند التعرض للنار , فالجواب سوف يكون ب لا وذلك عندما تكون الأعصاب مقطوعة تماماً .

ثالثاً : على فرض أن القلب هو المسئول عن التفكير والإدراك , فهنا يحق لنا التساؤل : وهل تتأثر حالة الإدراك بمشاكل القلب , وهنا سيقفز المؤمن ليجيب وبكل ثقة : نعم ولهذا فإن ضعف القلب مع الزمن سوف يؤدي للخرف عند العجائز , ولكن يبدو أن الأخ المسلم قد نسي بأن أمراض القلب تصيب حتى صغار السن , ولم أعرف يوماً بأن طفلا مصاباً بالقلب قد اشتكى من سوء الإدراك أو التفكير .
رابعاً : وكعادته فإن الله يتمسك بالصغيرة ويترك الكبيرة , فحتى المؤمنون يعترفون بالقدرة الكبيرة للمخ , وبأن القلب له وظائف بسيطة إذا ما قورن بالمخ , فهل كان الله على صواب عندما ذكر القلب بوظائفه البسيطة , ونسي المخ بوظائفه المتعددة ؟؟ تلك سقطة لن نغفرها له وحق العلم .
خامساً : كلنا نعرف بأن العلم قد وضح دور المخ في الإدراك والتفكير , وبأن هناك مناطق للتفكير في الدماغ , وكذلك فإن حواس الإنسان لها مناطق خاصة بها , فهل يتفضل أولئك الناسخون اللاصقون بشرح الميكانيكية التي يقوم بها القلب بالتفكير كما يزعمون , أم أنها مجرد تلفيق فقط ؟؟!!
سادساً : ليس هناك من إثبات علمي لفكرة تغير أمزجة أولئك الذين غيروا قلوبهم , فما بالكم بتفكيرهم وإدراكهم , فأين ذهب دور القلب في التفكير إذاً ؟؟؟؟
سابعاً : نعرف أن الضربة على الرأس قد تسبب للإنسان فقداً للذاكرة , بل أن هناك حالات الموت السريري حيث يبقى القلب ينبض ويكون المخ معطلاً , فأين ذهب دور القلب في التفكير ؟؟؟ أترك إجابة هذا السؤال للعقلاء
أخوكم سهران