الخميس، 14 يناير 2010

دعواتكم يا إخوان



إنه الموضوع القديم الجديد , منذ بداية الإسلام وإلى غاية اليوم , و هو اعتقاد المؤمنين بالقوة الإلهية التي سوف تساندهم وقت الأزمات , فقد وعد محمد أتباعه بالاستجابة الإلهية لمطالبهم وقتما طلبوها , يقول محمد في قرآنه : ( وإذا سألك عبادي عنّي فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون). (البقرة / 186) , ويقول في موضع آخر : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60] , وهنا يربط محمد بين عبادة إلهه وقبول الدعاء , فقد استطاع محمد أن يلزم أتباعه بعبادة إلهه من خلال إغرائهم بقبول هذا الإله لدعواتهم وصلواتهم , فقط إذا استجابوا له وعبدوه , وأطاعوه الطاعة العمياء التي من خلالها يسيطر على عقولهم وجوارحهم , وقد يقول قائل منهم لنا : أيها الملحد المتفلسف وما ضرك لو دعونا ربنا , فهو إن لم يستجيب لدعواتنا فلا ضرر من وراء ذلك , وهذا هو الغالب في اعتقاد المؤمنين , ولكننا نصر وبشدة على أن مسألة الدعاء للإله هي من أكثر الأمور سوءاً على الإنسان , وهي الأكثر خسة من تصرفات ذلك الإله الطائش الذي سوف يتلذذ برؤية عباده يتضرعون له ليل نهار ابتغاء مرضاته كي يفرج عنهم الكرب والهم , فيما لا يزيدهم دعاؤهم إلا هماً فوق هم , وحتى لا يتهمنا أحد بالتجني والتطاول على إلهه فلنا أن نأخذ مثالاً بسيطا من واقع الحياة , وليكن حديثنا عن الشاب أحمد ذلك الطالب المتفوق في سني دراسته , والذي وصل إلى بداية حياته العملية , فتقدم لامتحان توظيف لإحدى المؤسسات , وتزامناً مع تحضيره لذلك الامتحان , فإن والدته الحنون قد ثابرت على الدعاء لابنها الحبيب بالتوفيق والنجاح في الامتحان ,وتضرعت لله كي يوفق ابنها في مسعاه, وبعد أن تقدم أحمد لذلك الامتحان , فهناك ثمة احتمالات , الأول أن يفوز أحمد بالوظيفة , وهنا فإما أن أحمد قد كان على قدر كبير من الإقناع لمن امتحنوه , فوافقوا عليه بلا تردد , فهو هنا لم يكن بحاجة للإله كي يفوز بتلك الوظيفة , أو أنه لم يكن يستحق تلك الوظيفة لوجود شاب آخر أكثر كفاءة منه ورغم ذلك فإن الله قد استجاب لدعاء أمه وجعله يفوز بتلك الوظيفة , فقد ظلم الله الشاب الثاني الذي كان أجدر بتلك الفرصة , يعني المسألة ببساطة إما أن تكون مؤهلاً وجديراً بتلك الوظيفة فبالتالي فأنت لست بحاجة للتذلل لإلهك , وإما أن تكون غير مؤهل على الإطلاق , وسوف يتدخل إلهك لينجحك في ذلك الامتحان بالعافية , ولا حاجة لك بالعلم فالواسطة الربانية أقوى من أي اجتهاد أو نجاح , ويكفي أن تترقرق الدموع من عينيك حتى يستجيب لك إلهك , ليظلم الآخرين ممن ثابروا واجتهدوا .


الاحتمال الثاني يكون بعدم فوز أحمد بالوظيفة المنشودة , وهنا رجع أحمد إلى مواقع الفتاوى التي تخبره لماذا لم يستجب الله دعاء أمه , رغم أنها صوّامة قوّامة ولم تترك فرضاً طيلة حياتها , فعلى الأرجح فإن جده لأمه قد علقت قطرة من بوله في سرواله قبل خمسون عاماً , فحلت لعنات الإله عليه وعلى ذريته أجمعين , فطردوا من رحمة الإله الطيب الحنون .


بعيداً عن الدعاء والغيبيات , فإن تحقق أمر ما نريده في حياتنا له عدة احتمالات , فإما أن تتوفر الظروف المادية المناسبة لذلك في الآن والحال ليتحقق مرادك من دون الحاجة للدعاء الذليل , وإما أن تكون الظروف غير مكتملة وحينها فليس عليك إلا الانتظار قليلاً أو كثيراً من الوقت , ولكنك في النهاية سوف تحصل على مرادك , وإما أن الظروف لن تتوفر على الإطلاق , وحينها ادع كما شئت فلن ينظر إليك ربك حينها , لتبق طيلة عمرك تتنقل بين الشيوخ والوعاظ لتدارك السبب الذي جعل إلهك يغضب منك ولا يستجيب لدعائك.
كثيراً ما نصادف في حياتنا أشخاصاً قد نالوا ترقية في العمل , أو تجده قد ربح صفقة تجارية بمبلغ وقدره , فتجد صاحبنا يشكر الله على ما أنعم به عليه , وعلى عنايته بعبده المسكين الذي ظل يتوسل إلى الله حتى فاز بالصفقة الكبرى , فكم هو جميل هذا الإله الذي يجد له متسعاً من الوقت كي يتكرم بالتفضل على عبده المليونير بزيادة رصيده في البنوك , بينما يترك الآلاف يموتون جوعاً كل يوم دون ذنب اقترفوه , إلا أن الله لم يستجب لتضرعاتهم وتوسلاتهم , وانشغل بالتحضير لترقية المسئول الكبير إلى وظيفة أكبر , ألا لعنة العقل على القوم الجاهلين .
الدعاء ببساطة سوف ينسب كل إنجاز إلى حضرة الإله الرحيم الحنون والذي لولاه لما استطعنا أن نتقدم في حياتنا , فقد سلبتنا الأديان الشعور بالمسؤولية , وجعلتنا نعلق آمالاً عريضة على رحمة الإله الذي سوف يتكفل بتحقيق كل رغباتنا , فقط إذا أطعناه كالنعاج دون سؤال أو استفسار , بينما سوف ننسب كل خيباتنا وعجزنا لغضب الرب منا , لعدم ذهابنا لأداء صلاة الفجر في المساجد كما يحدث يوم الجمعة .


أيها العقلاء ادعوا عقولكم , واعملوا ولا تنتظروا من المصباح العجيب أن يخرج لكم بجنيه العجيب كي يجيب لكم طلباتكم , فالحياة تحتاج للعمل والعلم والثقافة كي نستطيع أن نبني أوطاننا , حينها ستجدون كل ما عجزتم عن الحصول عليه بالدعاء العبثي لإلهكم الطائر الخفي .

أخوكم سهران

هناك 18 تعليقًا:

NONE يقول...

تحليل جميل جدا عزيزي سهران
كمثال أحمد:
الاله إما يتدخل في الأمور المحسومة،او يتدخل ويظلم الآخرين، تماما كالمحسوبية
رائع يا سهران
تحياتي

مش فاهم يقول...

لا اجد افضل من قول القصيمي :

إن الدعاء والصلاة لله اتهام له. إنك، إذا دعوت الله، فقد طلبت منه أن يكون أو لا يكون. إنك تطلب منه حينئذ أن يغير سلوكه ومنطقه وانفعالاته .

اللهم اغفر لكاتب هذا الموضوع , آمين

ELVIRA يقول...

موضوع جميل يا عزيزى سهران
بصراحة أنا من أتباع القمنى فى قوله بأنتهاء العلاقة بين السماء و الرض بعد عصر الأنبياء
و ما بعد ذلك يندرج تحت العقل و العلم فقط
تحياتى

على باب الله يقول...

اللهم حبظلم بظاظا

( دعاءالشيخ عادل إمام )

Tears يقول...

سهران...فهمى للدين مختلف عن ما طرحت

و ارى فارق بين الاتكال على الله و التواكل...بمعنى ان الدعاء وحدة غير كافى لان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فكيف اصدق ما يقال فى كتب تراث و يتنافى مع قول القرآن هذا

اعرف انك ملحد و لكنى لست كذلك و ايضا فهمى للاسلام مختلف عن السائد

طبعا انا لا ادعوك لاى شىء لانى اكتر واحدة ممكن تحترم حرية العقيدة او اللا عقيدة لكن فقط اردت توضيح رؤيتى

انظر هذا فقد تفهم ما اقصد

http://www.unlimitedworld.org/index.php?option=com_content&view=article&id=161:2010-01-09-01-37-15&catid=34:articles

Mostafa Ali يقول...

جميل عزيزى مش فاهم قول القصيمى
ادعيله بالمرة
اللهم زوجه شويه من الحور واحشرنا معه فى وسط الحور

كويتي يقول...

اي دعاء يا اخ سهران اي بطيخ. تصدق لو البدو من ايام قريش ما سوو شي غير الدعاء جان تلقاهم للحين عايشين في صحرا و يركبون الجمال.

الحمد للات و العزى على الثقافة الغربية.

تخيل واحد يدعي: "يا رب اعطنا طيارات و صواريخ و تلفزيونات نفس الغرب"

لكن ماكوا فااااايدة، الدين افيون الشعب.... الدين مخدر الشعب، الدين قاتل الشعب

ييد من ساعات الدعاء للإله الخفي و يقتل ساعات العمل الجاد

الأمريكان وصلوا القمر و اهم يشربون البيرة و السميرنوف و يدخنون الحشيش و الويد و احنا اهني ندعي يا الله حرر القدس.... و بالنهاية الدين خذلنا

قال دعاء قال

كويتي يقول...

على فكرة، حبيت الصورة الثالثة.... بالفعل هذا واقعنا مثل ما قلت بالتلعيق السابق

Sahran يقول...

نور اللادين مرحبا بك

يعني القصة باختصار إما أننا لا حاجة لنا به , وإما عليه أن يظلم الآخرين كي يلبي طلباتنا

أهلا بك صديقي مجددا إلى عالم التدوين

تحياااااااااااتي لك


ودمت سالما

Sahran يقول...

فاهم

يعني المطلوب من الله أن يخرج لنا من المصباح ويقول شبيك لبيك ربك بين إيديك , أطلب وتمنى

ومن ورائك في الدعاء نقول آاااااااااامين


تحيااااااااااااااتي لك


ودمت سالما

Sahran يقول...

ELVIRA العزيزة

أحترمك وأحترم المفكر المبدع سيد القمني , قد نتفق أو نختلف , ولكنه ليس الخلاف الذي نقتل بعضنا من أجله , كما يفعل المتنطعون.
أنا شخصيا لا أعتقد أنه كانت هناك علاقة أصلا بين الإنسان والقوة الخفية المسماة بالسماء, ولكن لن تكون هذه نقطة خلاف بيني وبينك , فأنت على الأقل لن تضيعي وقتك في استحضار الأدعية والتعاويذ التي يرددها المتشددون


تحياااااااااااااتي لك


ودمت سالمة

Sahran يقول...

جيمي الحبيب

وأنا أقول من ورائك آمين , وما تنسى تبقى تحكي دعاء عادل إمام لفخامة الزعيم بتاع ( اللهم أفسي الزعيم )


تحياتي ومحبتي

Sahran يقول...

عزيزتي Tears

أشكرك على الرابط الذي تفضلتي بإعطائنا إياه , ووجدت أن كاتبة المقال هي من جماعة القرآنيين , على الأقل هكذا فهمت من مقالها , ولا بأس في أن يحاول المسلم تنقية دينه من الأمور اللامنطقية والغير أخلاقية التي يقوم بها المسلمون , أو فلنقل بعضهم حتى لا نعمم .

عزيزتي اسمحيلي وياريت ما تزعلي من صراحتي , بس أنا شايف إنو حتى القرآن عليه مآخذ كثيرة, وطبعا أنا لأني كنت أسمي نفسي مسلم , وكنت ولا زلت أعرف الكثير عن الإسلام , فأنا أعرف أن القرآن هو أيضا فيه الكثير من أسباب ضياع الأمة


تحياااااااااااتي لك


ودمت سالمة

Sahran يقول...

مصطفى

إنت سيبك من الحور , وبلاش تتحشر بيننا

ههههههههه , أكيد أنا بأمزح

أهلا وسهلا بك صديقا معنا


تحيااااااااااتي لك


ودمت سالما

Sahran يقول...

كويتي العزيز

طبعا لو إحنا اكتفينا بالدعاء , لبقينا في عصور الديناصورات , ولمتنا هما قبل أن يتدخل الإله لمساعدتنا

نشكر العقل الذي هدانا , وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا العقل

تحيااااااااااااتي لك


ودمت سالما

لاديني يقول...

سهران

الدعاء أحد أهم المهازل التي تمارس يومياً في الإسلام..والأديان عموماً...


عندما تعرضت سفينة للغرق ولاحظ أحد الركاب في وسط الهلع رجلاً اتخذ ركناً من السفينة وأخذ يدعو الله فقال له:
يا سيدي يمكنك أن تدعو الله كما تشاء لكن إذا بقيت في مكانك طويلاً أخشى إنك لن تتمكن من دعاءه مستقبلاً على الإطلاق.


سلام

Sahran يقول...

عزيزي لاديني

بالتأكيد فالإسلام ليس وحده صاحب تلك الخرافة , فكل الأديان فيها تلك المسألة , المسلم يرفع يديه للأعلى , والمسيحي يضم قبضتيه تحت ذقنه , واليهودي يضرب برأسه أماما وخلفا , وكلهم يعتقدون بأن هناك ثمة من يسمعهم , وسوف يلبي طلباتهم وكأنه عفريت المصباح العجيب .

أما صاحبنا بتاع السفينة , فلو اهتم بالبحث عن طوق نجاة لكان أكثر فائدة له


تحياااااااااااااتي لك


ودمت سالما

Sahran يقول...

عزيزتي Tears

أتفهم حقك في الدفاع عن دينك , ومحاولة تجميله من الخارج , إن كان ما بداخله غير ذلك , ولكن عزيزتي يا ريت تسمحيلي أوضحلك مسألة مهمة , وهي أن ما يقوم به إخوان السو , أو الحركات الجهادية هو ليس من خارج الإسلام , فأولئك الناس هم خير من يمثل الإسلام , فالإسلام مثلا لم يكن له أن ينتشر في بلادكم لولا منظومة الإرهاب الثلاثية (إما أن أقتلك , أو أسرقك , أو تتبع ديني )

عزيزتي : أتمنى أن تتفهمي وجهة نظري , فالمسلم لن يستطيع أن يحذف آيات القتال من القرآن , وليس لكم حجة علينا بآيات الحوار والمهادنة الموجودة في القرآن , فقد نزلت تلك الآيات في زمن الضعف الإسلامي , أما حينما قويت شوكة الإسلام , استبدلت تلك الآيات بآيات الغزو والقتال .

ليس مطلوبا منك أن تقرئي المواقع الإلحادية حتى تصدقيني , كل ما عليك فعله , هو أن تتوضئي وتمسكي المصحف , وتقرئي القرآن , ودائما حاولي أن تذيلي قرائك لكل موضوع بهذه الكلمة السحرية : لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

تحياااااااااااااتي لك


ودمت سالمة