
سر الوجود :
إن مسألة الوجود تبقى من أكثر المسائل التي تنال الحيز الأكبر من عقول الناس , ودائما ما يردد المؤمنون مقولتهم بأن هذا الوجود لا بد من حكمة له , وإلا فإن هذا الكون لن يكون له معنى أو هدف , وحتى تتضح الرؤية , ومن أجل فهم صحيح لمعنى الوجود فيلزمنا أن نبحث عن بداية هذا الوجود ونشأته , فالإنسان ينظر اليوم لهذا الكون بجماله الخلاب وقوانينه الدقيقة , فيعجز الإنسان عن تصور فكرة أن يكون هذا الكون قد جاء من لاشيء , ويبدأ بالاعتقاد بأن هذا التصميم الذكي ( كما يراه هو على الأقل ) لن يأتي صدفة , وغالبا ما يرددون مقولة البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير , وهذه من العبارات المغلوطة والتي لا قيمة لها من الناحية العلمية , فالإنسان في الواقع يقدس هذه الطبيعة دون أن يعلم , ولكن مع تطور الفلسفات القديمة بدأ بتحويل هذه القدسية لكائن خرافي أسماه الله , وحتى أوضح المسألة أكثر , فإننا يكفينا أن نقرأ عن تاريخ تطور الحياة والكون , لنعلم بأن هذه الصورة البديعة التي نراها اليوم هي نتاج تجارب الطبيعة لملايين السنين, ولم تأت بتدبير حكيم كما أوهمتنا الأديان , فالأديان عموما استغلت ضعف العلوم عند الأقدمين فادعت وجود خالق بديع لهذا الكون , ولكن لم يكن من الممكن لهذه الأوهام أن تبقى للأبد , فالعلوم كشفت عن معاناة الطبيعة لملايين السنين سواء في قدرتها على البقاء , أو في إيجاد أشكال جديدة من الحياة , فالإنسان الحديث لم يأتي إلى الأرض من السماء , بل إن ما يجهله كثير من المؤمنين وإلى غاية اليوم , هو وجود أشكال مشابهة للإنسان الحديث عاشت على الأرض منذ آلاف السنين أو أكثر , وما يلفت النظر هو أن أحدث هذه الكائنات وهو إنسان النياندرتال كان يعيش في أجواء ليست بعيدة عن الإنسان الحديث من حيث قدرته على الصيد في جماعات , وبدأ في محاولة الكلام وإن لم يستطع تكوين جملة كاملة , وكانوا يدفنون موتاهم , ورغم ذلك فلم يقدر له أن يمكث للأبد , إذ أنه عاش مع الإنسان الحديث حوالي 15 ألف عام وانقرض بعدها لتكون السيادة للإنسان الحديث على الأرض وما فيها , ولهذا فإنه ليس من المقبول أن نصدق فكرة الخلق الإلهي للإنسان بصورته الحالية من نسل آدم , ويبقى علينا أن نفهم أننا ما كنا لنوجد في هذا الكون وبهذا الشكل قبل مليون سنة , حينها كان أجداد الإنسان يخوضون معركة التطور قبل أن يأتي الإنسان الحديث .
طول العهود والأزمنة :
من الأمور التي تجعلني أشك حقيقة في وجود الله , هي عدم قدرته على شرح التاريخ الطويل للحياة , ومنه ندخل لسؤال آخر مهم , وهو إن كان الله قد خلق الكون حتى يعبده الناس , أولم يكن حريا به أن يخلقهم في نفس اللحظة التي خلق بها الكون !!!
ولتوضيح الأمر فسآتيكم بالحقائق التالية
1- عمر الكون يبلغ قرابة 13.7 مليار سنة ........................................................
2- عمر الأرض 5 مليار سنة .......... ..........
3- ظهور بدايات الجنس البشري قبل 50 ألف عام .
4- ظهور الأديان المنظمة قبل 6 آلاف عام
5- الإسلام قبل 1400 عام
إذن دعونا بحسبة عقلية بسيطة نقدر عمر الأديان من عمر الكون فنجدها لا تشغل واحد من مليون من عمر الكون , فهل كان الله غائبا طوال تلك الفترة , وإن كان قد خلق الكون من أجل أن يعبده الناس فلماذا انتظر طوال تلك الحقب الطويلة حتى يستطيع في النهاية أن يتكرم علينا بنبيه المصطفى ليعلمنا كيف نغتسل وأن قتل المرتد حلال شرعا , وما أراه أكثر منطقية هو أن نسلم بحقيقة أننا مثل كل الكائنات الحية التي عاشت قديما وتعيش اليوم على سطح الأرض لنا حياة واحدة , لن يكون لها إلا قدرا ضئيلا جدا من عمر الزمان , فغرور الإنسان جعله يظن أن الأرض هي مركز الكون والحياة , وتجد في النصوص الدينية ما يدل على ذلك , فالإسلام يعتبر النجوم زينة للسماء الإلهية , وحتى يتضح الأمر فيكفي أن نذكركم بحقيقة أن الأرض هي كوكب من عدة كواكب بعضها أكبر من الأرض بكثير يدورون جميعا حول نجم كبير هو الشمس , وهذه الشمس هي نجم من ملايين النجوم التي تشكل مجرتنا , والتي هي واحدة من ملايين المجرات الموجودة في الكون , فأين ذهب هذا الكون الفسيح من علم الله , وكيف جعل هذا الكون المهول الحجم مجرد زينة لسمائه يراها أهل الأرض !!!!
ويلجأ المؤمنون دائما عند إفحامهم بالحقائق العلمية عن الكون للدخول في مسألة تعتبر من أكثرها إلحاحا لدى البشر , ألا وهي دعوة الأديان للأخلاق , وأنه لولا تلك الأديان لعمت الفوضى والخراب أرجاء المعمورة , وصار الرجل يسرق ويقتل ويزني بأخته ......الخ
فهل كانت الأديان حقا هي الضامن للأخلاق ؟؟؟
دعونا نفكر وبتركيز شديد الآن حول ماهية الأخلاق , وهل نحن فعلا بحاجة للأديان حتى تهذب من نفوسنا ,,,,
إن الواقع على الأرض يشير إلى أن الإنسان قد طور أخلاقه وسلوكه الاجتماعي في حقب سبقت الأديان بفترة طويلة من الزمان , ولكن دعونا نتأمل في حال الأديان لنرى أن الأديان تتوعد فاعل الجرم بالعقوبة والخسران المبين , وهذا الأمر يعطي قناعة لدى الإنسان بأنه لا يفعل الخير ويتجنب الشرور إلا خوفا من عقاب الإله الصارم , ولو قبلنا بهذا الأمر على علاّته , فسنجد أن الأديان قد تركت لأصحابها حيزا يمكنهم من ارتكاب أفظع الشرور ليغفرها الله لهم إن تابوا , وكثيرا ما نجد في حياتنا المعاصرة أشخاصا يرتكبون كل ما هو غير أخلاقي أو إنساني ويمنون أنفسهم بالتوبة مستقبلا , فالدين جعل الأخلاق التزاما خاصا بين الإنسان وإلهه , ولم يعلمهم الدين أن يكونوا أخلاقيين لأنهم بشر ,,, لا
فالدين لا يهتم إلا بفرض نفسه أولا , وجعل الكون وما فيه يدورون حول هذا الدين ,
وهنا يحق لنا أن نسأل من هو الأكثر أخلاقا ؟؟؟ هل هو ذلك المؤمن الذي يفعل الخير طمعا في أنهار الخمر واللذة الأبدية في أحضان عاهرات السماء ؟؟ أم هو ذلك الذي احترم إنسانيته وإنسانية الغير وفعل الأخلاق .... فقط لأنه إنسان .
إن الدولة الحديثة اليوم كفيلة بمعاقبة كل مجرم ومعتدي على البشر , والنظام الاجتماعي العام يفرض على الناس الالتزام بأدبيات التعامل , فلسنا مضطرين للخوف من ترك الأديان , فالإنسان استطاع أن يكون لنفسه نظاما راقيا ومبدعا لحماية المجتمع والإنسان , ولن يتسامح المجتمع مع المجرم , بعكس الأديان التي تغري أتباعها بالمغفرة مهما كان الذنب فادحا طالما آمنوا بإله هذا الدين . فهل يحق للمؤمنين أن يتبجحوا علينا بأخلاقهم المزعومة ؟؟ إننا نجد في الحياة كثيرا من الناس مؤمنين و غير مؤمنين ولكن تجد لديهم أخلاقا عالية , وبالعكس فإنك تجد أيضا من المؤمنين من لا ينقصه من هذه الدنيا إلا الأخلاق , وأنا لا أذكر كلاما افتراضيا فالأمثلة من حولنا في المجتمعات كثيرة ولا حصر لها , وتجد رجال الدين أنفسهم يتحدثون عن أولئك الذين يصلون في السطر الأول داخل المسجد , حتى إذا خرجوا من المسجد فسدت أخلاقهم , فإن كان هذا اعترافهم بأنفسهم فكيف لو كانوا حياديين ونظروا لحالهم ؟؟؟؟
المصير المحتوم :
الإنسان هو كائن عاطفي , يملؤه الخوف والحب وكل الصفات الإنسانية في آن واحد , ويبلغ حبنا لأنفسنا أن نبالغ في كثير من الأحيان في تقديرنا لأنفسنا , بل ويمتد هذا الحب لنجعل من أنفسنا مركز الكون وعلة وجوده , ولهذا فقد داعبت الأديان هذه السقطة الإنسانية ولعبت عليها , فأوهمته بأنه هو خليفة الله على أرضه وأنه ما خلقت الكائنات الحية من حيوان ونبات إلا من أجله , ولكن لن ينتهي الأمر إلى هذا الحد , فقد أكدت الأديان لأتباعها بوجود حياة أخرى بعد الموت يكون فيها الراحة والسؤدد الأبدي بعد المعاناة في الدنيا , وقد يكون سبب إيمان الناس بهذا المعتقد هو عدم قدرتهم على تقبل فكرة الحياة الواحدة , أو أن أحباءنا الذين فارقوا دنيانا لن نراهم ثانية , فيتمسكون بما وعدهم به الإله المعبود , ويصرون على وجود الحياة الآخرة حيث النعيم الأبدي , ولكن لناقش هذه المسألة بمنطقية أكثر , ولنفترض فعلا أنه يوجد حياة بعد الموت , ولكن لم يسأل أحدكم نفسه : طالما أن الحياة الآخرة هي أبدية فلماذا تكون الدنيا بهذا الحجم الضئييييل جدا بحيث أننا لن نأخذ فيها من العبر والقيم ما يكفي لنؤمن بوجود هذا الإله , وماذا عن أولئك الذين يموتون في سن الشباب , فهل سيعاقبهم إلهكم على طيشهم ؟؟ من منا لم يعش حياة الشباب بما فيها من مغريات تجبره على الابتعاد عن الدين ؟ فهل ذلك العجوز الذي اشتط في شبابه وتاب في شيخوخته هو أفضل عند الله من ذلك الشاب الذي مات في ريعان شبابه ؟؟ فكيف سيحاسبهما معا وهو قد أعطى لأحدهما الفرصة كي يكفر عن أخطائه , فيما لم يمهل الثاني وقتا مناسبا للقيام بذلك , وسوف يرجع المؤمنون للقول بأن كل إنسان مسئول عن تصرفاته , ويجب أن يستعد لآخرته من بدايات عمره , ولكن أحبائي ليس من المعقول أن نتكلم عن الرجل العجوز والشاب وكأنهم يخضعان للحالة النفسية نفسها , فسيكولوجية الشاب تختلف كلية عنها لدى كبار السن ,
أخوكم سهران