
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون 14]
ويأتي بعدها أحد العلماء المسلمين ليتكلم عن أن الغرب الكافر قد أقر بهذه الحقيقة , بل وأن أحد علماء الغرب حينما سمع بهذا الكلام قد نطق الشهادتين وهلل وكبر وكاد أن يتبول على نفسه من فرط الإيمان .
إن سرد هذه الأمور بتلك الطريقة السطحية هي ليست إلا استخفافا واحتقارا لعقول الناس , ولا أنكر أني أنا شخصيا كنت مصدقا لهذه المقولة البلهاء , إلى أن تحررت من أوهام الخرافة, وبدأت البحث في كل الأمور , وحينما بدأت أبحث بهذا الموضوع وجدت العجب العجاب , لأكتشف كم كنت ساذجا حينما سلمت عقلي لمن هم دوني علما وثقافة , واليوم سأشرح بنوع من التفصيل لأفند مدى الفروق بين الآية الكريمة وبين الحقائق العلمية التي لا ينكرها إلا ذلك الذي يؤمن بالرقية الشرعية والحجامة وغيرها من الخرافات .
ولنبدأ أولا بتعريف النطفة , فالنطفة علميا هي السائل المنوي (Semen) وتعريفه : هو سائل غير متجانس يحتوي على إفرازات يتم أنتاجها من الخصية، الموثة، غدة كوبر و الحويصلات المنوية.ويحوي مئات الملايين من الحيوانات المنوية(Sperm) في حالة كون الرجل غير عقيم , أما السوائل الموجودة في المني فهي للتغذية والمحافظة على قلوية السائل , ويقدر حجمه تقريبا حوالي من3 إلى 6 سم مكعب تقريبا في حالة الامتناع عن الجماع لفترة تزيد عن الثلاثة أيام.
وهكذا نكتشف أن النطفة هي مزيج مختلط من السوائل بما يحويه من حيوانات منوية , والآن دعونا نبدأ بتحليل الآية الكريمة على ضوء ما كشفه لنا العلم الحديث:
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً هنا نجد تعويما لدور السائل المنوي واعتباره كيانا واحدا , فالآيات لم توضح أو لعلها لم تعرف أن هذا السائل ليس مطلوبا منه في النهاية إلاّ حيوانا منويا واحدا وليس عموم السائل كما تحدثت الآية ,وما سيحدث الآن هو عملية إخصاب للبويضة عن طريق هذا الحيوان المنوي, ونلاحظ هنا اختفاء كامل لدور البويضة الأنثوية في هذه العملية حسب الآية الكريمة , وهي شريك أساسي ولابد من وجوده في عملية الإخصاب , وهذا ما غفلت الآية الكريمة عن ذكره.
إذن فلن تكون هناك عملية تحول من نطفة إلى علقة , وما يحدث هو عملية إخصاب بين البويضة والحيوان المنوي , ولا علاقة لباقي السائل المنوي بتلك العملية وتموت بقية الحيوانات المنوية بعدها.
أما العلقة فهناك عدة تعريفات لها :
الأول :
وهو من تعريفات الدعاة الجدد : حيث العلقة هي ما يثبت بالرحم بعد الإخصاب , أي أنها تتثبت في الرحم وهذا ما أثبته العلم فعلا.
الثاني :
وهو من كتاب مختار الصحاح:
العَلَقُ الدم الغليظ والقطعة منه عَلَقةٌ و العَلَقةُ أيضا دودة في الماء تمص الدم والجمع عَلَقٌ و عَلِقَتِ المرأة حبلت و عَلِقَ الظبي في الحبالة وعلقت الدابة إذا شربت الماء فعلقت بها العَلَقةُ وباب الكل طرِب و عَلِقَ به بالكسر عُلُوقاً أي تعلق و عَلِق يفعل كذا مثل طفِق و العِلْقُ بالكسر النفيس من كل شيء وجمعه أعْلاقُ وفي الحديث {أرواح الشهداء في حواصل طير خُضر تَعْلَقُ من ثمر الجنة} بضم اللام أي تتناول و المِعْلاقُ و المُعْلُوقُ ما عُلق به من لحم أو عنب ونحوه وكل شيء عُلق به شيء فهو مِعْلاَقُهُ و العِلاقَةُ بالفتح علاقة الخُصومة و العُلَّيْقُ بوزن القُبيط نبت يتعلق بالشجر و أعْلَق أظفاره في الشيء أنشبها و الإعْلاقُ أيضا إرسال العلق على الموضع ليمص الدم وفي الحديث {اللدود أحب إلي من الإعلاق} و عَلَّقَ الشيء تَعْلِيقا و اعْتَلَقَهُ أحبه و المُعَلَّقةُ من النساء التي فُقد زوجها قال الله تعالى {فتذروها كالمُعلقة} و تَعَلَّقهُ و تَعَلَّق به بمعنى وتعلقه أيضا بمعنى علَّقه تعليقا
الثالث :
وهو من كتب التفاسير,
وَهِيَ الْقِطْعَة مِنَ الدَّم ( الطبري)
عَلَقَة حَمْرَاء عَلَى شَكْل الْعَلَقَة مُسْتَطِيلَة قَالَ عِكْرِمَة وَهِيَ دَم ( ابن كثير )
دَمًا جَامِدًا ( تفسير الجلالين)
هُوَ الدَّم الْجَامِد. وَالْعَلَق الدَّم الْعَبِيط ; أَيْ الطَّرِيّ . وَقِيلَ : الشَّدِيد الْحُمْرَة. ( القرطبي )
وهنا أعزائي نلحظ الفرق الواضح بين التعريفات التي يسوق لها الدعاة الجدد, وبين ما تحدثت عنه كتب التفاسير والمعاجم اللغوية الأم, فالإعجازيون قاموا بتغيير المعنى القديم للعلقة , من دم غليظ , أو هو حبل المرأة , ولو فرضنا جدلا أن تعريفهم هو الأصدق , فالعلقة ستتحول بعد ذلك لمضغة , بينما غاب عنهم أن الجنين سيبقى معلقا في رحم أمه حتى ساعة الولادة.
ومن الناحية العلمية فإنه بعد حدوث الإخصاب تنقسم البويضة لقسمين أحدهما يلتصق بالرحم والآخر يبدأ في تكوين الجنين , لتبدأ الخلايا في الانقسام السريع ,و تبدأ الأعصاب في التكون عندما تبدأ شريحة من الخلايا في ظهر الجنين في تكوين قناة صغيرة والتي تكون بعد ذلك العمود الفقري للجنين. وينقسم إلي ثلاث طبقات تكون كل طبقة منهم الأعضاء والأنسجة فيما بعد.وفي مؤخرة الرأس لأسفل، هناك طبقتين نسيج تكون الأذن بعد ذلك.أما عن الأنبوب الذي تكون في الظهر في الأسبوع الرابع والذي تحدثنا عنه سابقاً والذي يخرج منه المخ، العمود الفقري، الأعصاب وتنشق منه أيضاً عظمة الظهر يبدأ في النمو في الطبقة العلوية للظهر.أما بالنسبة للقلب فهو يبدأ في الظهور في الطبقة الوسطى.والطبقة الثالثة فهي تحتوي علي الرئة، المعدة، وبداية الجهاز البولي.
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً وهنا نذهب مباشرة للتعريف الإعجازي حيث يتحول الجنين إلى ما يشبه قطعة اللحم التي عليها آثار المضغ،
ولغويا لنبحث عن معنى الكلمة مَضَغَ الطَّعام من باب قطع ونصر و المُضْغَةُ قِطعة لحم وقلب الإنسان مُضغة من جسده ( مختار الصحاح )
وفي كتب التفاسير
وَهِيَ قِطْعَة كَالْبَضْعَةِ مِنْ اللَّحْم لَا شَكْل فِيهَا وَلَا تَخْطِيط ( ابن كثير )
لَحْمَة قَدْر مَا يُمْضَغ ( الجلالين )
فَجَعَلْنَا ذَلِكَ الدَّم مُضْغَة , وَهِيَ الْقِطْعَة مِنَ اللَّحْم ( الطبري )
وَهِيَ لَحْمَة قَلِيلَة قَدْر مَا يُمْضَغ ( القرطبي )
وهنا أيضا وكالعادة لاحظنا أولا الاختلاف بين المعنى اللغوي والتفسيري من جهة وبين تعريف الإعجازيين , وبينما تصف كتب التفاسير تلك المضغة بأنها قدر لحمة مما يأكله الإنسان , يحدثنا العلم أن الجنين في هذه الفترة يكون كائنا مجهريا , فلا أعلم كيف سيلوكها الفم وهي بهذا الصغر.
ومن الناحية العلمية : فإنه لا يوجد هكذا تصنيف ولو شكليا , فالجنين يكون في حالة التكون , ويتغير شكله يوميا , وبالتالي فليس من المتوقع أن نرى شكلا واحدا للجنين لأكثر من أسبوع , فعملية التكوين لا تزال مستمرة , وهذا الجنين سيواصل نموه ويتغير حجمه وشكله يوميا , حتى يبصر النور .
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً وهنا نرى أكثر الصور هزلية في تصوير نشأة الجنين , فالعظام سوف تستمر في النمو والتشكل إلى ما بعد الولادة بسنين , ومن الثابت علميا أن لب العظام يبدأ في التشكل في الأسبوع الثامن
والآية هنا لا تعترف بما أقره العلم من تشكل الأعضاء الحية للجنين منذ المراحل الأولى لنشأته , ولم يثبت العلم أن العظام تتشكل قبل الأنسجة الحيوية , وجذور العظام في هذه المرحلة سوف تكون هشة , عوضا عن أن العديد من الأنسجة الحية سوف تكون موجودة من قبل أن تتشكل العظام . وحتى نزيد من وضوح الصورة أكثر , فمن المعروف أن كرات الدم الحمراء تتشكل في العظام , ولكن قبل أن تتشكل العظام فإنها تتشكل في الكبد وبذلك يكون الكبد على الأقل سابقا لوجود العظام والتي ستتولى تلك العملية فيما بعد .
فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً وهنا نكمل ما تحدثنا عنه قبل قليل , فإن من كتب تلك الآية لم يكن لديه قدرة على تمييز الجلد من الأعضاء الحية من العضلات واختصر الكل باسم لَحْماً.
ختاما أعزائي : فإنه من الواضح تماما أن الآية الكريمة قد وصفت عملية التشكل بصورة بدائية وسطحية ومنافية تماما لما أثبته العلم , فالقرآن يختصر علم الأجنة كله بأن النطفة وهي السائل المنوي للرجل سوف تدخل الرحم لتصبح دما جامدا, وهذا الدم الجامد سيصبح مثل قطعة اللحم من مقدار ما يلوكه الفم , لتصبح بعدها عظاما , وهذه العظام سوف يتم كسوتها باللحم فيما بعد, ليقوم الله بعدها بنفخ الروح فيها ,,,,,, فتبارك الله أحسن الخالقين.
وهكذا وبكل بساطة يريد منا الإعجاز يون أن نضرب بعرض الحائط علما كبيرا وواسعا هو علم الأجنة , واستبداله بهذه الآية .
أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم ولكني شرحت الأمر بصورة مبسطة جدا , ومن أراد أن يستزيد فعليه بالبحث, وستجدوا الحقيقة واضحة تماما كالشمس.
أخوكم سهران