الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

مع الإعجاز النباتي





بات اليوم عند المسلمين علم كبير اسمه علم الإعجاز في القرآن والسنة , وهذا العلم لكبره فقد تم تقسيمه إلى فروع عدة , ولفت انتباهي وأنا أتصفح أحد
المواقع الإعجازية حديثهم عن الإعجاز النباتي في القرآن والسنة , ومن خلال مطالعتي لهذه الموضوعات لاحظت ذلك القدر المهول من الاستخفاف بعقل القارئ , من خلال تدليس الحقائق العلمية مع آياتهم القرآنية , وما يجدر ذكره في هذا الشأن , هو أن أغلب تلك الإعجازيات تحتاج أولا أن يكون الشخص مؤمناً بإلوهية مصدر القرآن , وأن يكون مؤمناً بوجود الخالق , والذي من خلاله يحاولون أن ينسبوا الظواهر الطبيعية إليه , ففي هذا الرابط , نجد أن أحدهم قد خلط بين معرفة الإنسان القديمة بحاجة النبات للماء كي ينمو , مع ما وضحه العلم من طريقة حدوث الإنبات , ليأتي ويزج بآية قرآنية (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُون ) ويتخذها حجة على الذين كفروا , بأن كيف عرف محمد هذا قبل 14 قرناً , بل ويقول هذه الآية من آيات الإعجاز النباتي في القرآن الكريم والقرآن كله معجز فقد تحدى الله سبحانه وتعالى من ينحرفون عن الحق إلى الباطل ومن يجعلون مع الله آلهة سواء كانت أصناماً أو أناساً أو ظواهر كونية، أو آلهة مادية أو أيديولوجيات غير إيمانية تحداهم الله سبحانه وتعالى بأنهم لن يستطيعوا إنبات بذرة واحدة من بلايين البذور والحبوب التي تنبت كل لحظة على الأرض لتعطي الأشجار والحدائق ذات البهجة والرونق.
وهنا من حقنا أن نطلب من إلهه الذي يستطيع فعل أي شيء أن ينبت النبات من دون الحاجة للماء لو كان يستطيع , ونسأل هنا : وهل ادعى ملحد أو عالم من العلماء أنه هو من أنبت الحب والبذور , فلماذا ننسب ظواهر الطبيعة , والتي نعلم أسبابها , وكيفيتها , ومحفزاتها إلى إلهكم !!!
أما النقطة الأكثر أهمية من هذا كله , فهي إصرار رب محمد على أن الماء هو من يحيي الأرض بعد موتها , ولو جئت بإله محمد وأمطاره وألقيت بهم في صحراء الربع الخالي فلن تنبت بذرة واحدة , حتى ولو ملأنا الأرض بالبذور , فإلههم المعجز الخارق الحارق , لم يكن له أن يعلم عن الأسمدة التي توفر المواد العضوية اللازمة لنشأة النبات , وأصر في أكثر من آية بأنه وبأمطاره سوف يحيي الأرض بعد موتها .

طبعاً , أود التأكيد بأن ما نقوله ليس بالضرورة سبباً ليجعلنا نلحد بإلههم , فلنا مع الله قصة أخرى ,وليس أيضاً من المواد التي قد نستخدمها في التشكيك بدينهم المهترئ , وللأمانة العلمية فليس كل المسلمين يعترفون بتلك الخزعبلات ,ولكن هنا نوجه استفساراً للإعجازيين الذين ما فتئوا , يذكرونا بأن ربهم لم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا وقد أحصاها في قرآنه , ورغم ذلك فإنك لن تجده قد وفّى الأمر حقه , وذكره بمعلومات لم تكن لتختلف عما يشاهده العربي القديم في ذلك الزمن , فالإنسان لم يكن بحاجة لإله محمد كي يستبشر بالمطر الذي سوف يروي أرضه وزرعه , وماشيته , ولكن ذلك العربي لم يكن يعرف بالمواد العضوية ومدى أهميتها للزرع , فغابت تلك الحقائق عن بال رب محمد , واستغل مشاهدات العربي البسيطة , والتي يعرفها صغيرهم وكبيرهم و ليوهمهم بقوته وجبروته ,
أما ما يثير السخرية من أولئك الناس , هو ما رأيته في
هذا المقال , حيث الربط اللامعقول بين عملية الإنبات , والبعث الذي يدعون , واستدل بالآية القرآنية : " أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج. والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة وذكرى لكل عبد منيب. ونزلنا من السماء ماءً مباركًا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد. والنخل باسقات لها طلع نضيد. رزقًا للعباد وأحيينا به بلدة ميتًا كذلك الخروج " [ق: 6-11].
حيث يزج شيخنا بين المعلومات الموجودة في الكتب العلمية , وما بذله العلماء من الجهد لتفسير تلك الظواهر , مع الاكتشاف الإلهي الرهيب والذي لم يكن يعلمه أحد من قبل , حيث اكتشف إله محمد أن الماء لازم لعملية الإنبات , ألا لعنة الله عليكم أيها الملاحدة الملاعين , من خبّر محمداً بها قبل 1400 سنة , وكيف عرف محمد أن الماء لازم لإنبات البذرة .
وطبعاً يطلب من حضرتكم نزع عقولكم ووضعها جانباً لحظة قراءة تلك الإعجازيات الخارقة الحارقة المضادة للطيران والدبابات حتى لا تحترق أمخاخكم من تلك الومضات الربانية .
ويمضي ذلك الإعجازي في دربه ليقول بأن عملية البعث سوف تكون مشابهة لعملية الإنبات , حيث يقول ربهم كذلك الخروج والخروج هنا هو البعث , وأتمنى منكم أيها العقلاء أن تفهموني كيف لنا أن نربط بين تلك الظاهرتين , وهل لو ذهبت إلى المقبرة ورششت القبور بالماء فسوف يخرج إلينا أمواتنا من قبورهم .

ألا تعساً للقوم الجاهلين


أخوكم سهران

السبت، 26 ديسمبر 2009

الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

يسألونا من الخالق , ونسألهم أين المخلوق


في نقاشاتنا مع المؤمنين , هناك دائماً محاولة لإنهاء الحوار منهم بسؤال يبدو للوهلة الأولى منطقياً , وهو إن كنتم لا تؤمنون بوجود الله فمن خلقكم ؟؟؟ إذ المخلوق لابد له من خالق , والموجود لابد له من موجد , ولكن حتى يكون السؤال منطقياً فيجب عليهم أولاً أن يجيبونا على سؤالنا وهو : أين هذا المخلوق الذي خلقه إلهكم ؟؟؟وحتى نضع النقاط على الحروف , فإنه لابد لنا أولاً أن نذكركم بأن مفهوم الخلق قد جاءنا من خلال الأديان , وبالتالي فإننا حتى نفهم هذا المصطلح فلن نعود إلا لكتب الدين , وشروحه التي تصف الخلق :
يقول محمد في قرآنه :
( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )يس 82
وفي المنتخب : إنما شأنه فى الخلق إذا أراد إيجاد شىء أن يقول له: كن، فيكون فى الحال وكما يقول بعض العلماء: إن أمره سبحانه بين الكاف والنون
وفي تفسير الطبري : قَالَ : هَذَا مَثَل إِنَّمَا أَمْرُه إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون , قَالَ : لَيْسَ مِنْ كَلَام الْعَرَب شَيْء هُوَ أَخَفّ مِنْ ذَلِكَ , وَلَا أَهْوَن , فَأَمْر اللَّه كَذَلِكَ
وهنا يجب أن نلفت بأن الخلق سوف يسبقه الإرادة الإلهية , وهي كما قال علماء الإسلام بين الكاف والنون , وكن هي من الكلمات الصغرى في العربية , وإرادة الله أخف منها , كما يقول شيوخهم ,وعندما يريد إلههم شيئا فإنه يكون في التو والحال .
ويقول ابن كثير :أَيْ إِنَّمَا يَأْمُر بِالشَّيْءِ أَمْرًا وَاحِدًا لَا يَحْتَاج إِلَى تَكْرَار وَتَأْكِيد
أي أن أمر الله بالخلق سوف يكون واحدا , ولمرة واحدة فقط , ولن يحتاج الله لإعادة أمره قط
, ولكن هل كانت هذه الإرادة الإلهية بمثل ما ادعوه ؟؟؟
يقول محمد في قرآنه : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (59) سورة الفرقان
وهنا يحق لنا أن نسأل وبمنطقية شديدة : أين ذهبت هذه الإرادة التي هي كن فيكون ؟؟؟ وهل خلق الكون في ستة أيام هو بين الكاف والنون يا مسلمين ؟؟؟
وطبعا لست بحاجة للتذكير بتناقض هذه الآية مع ما أثبتته العلوم من أن تشكل هذا الكون قد بدأ من 13 مليار سنة ولا يزال الكون يتمدد , فإن كان الله بإرادته الموجودة بين الكاف والنون هو من خلق هذا الكون , فما بال هذا الكون يتمدد إلى يومنا هذا , وهل أفلت زمام الأمر من إلههم ؟؟؟
هل ما نراه يوميا من أناس تولد وآخرون يموتون هو تلك الإرادة الواحدة التي لن تتكرر ؟؟؟ وإن كان الله قد خلق الكون كله بين كافه ونونه فلماذا لم ينشئ الكون كله مرة واحدة ؟؟؟
لا تنتظروا من المؤمن جوابا منطقياً , وانتظروا التلاعب اللفظي بالكلمات , وليذهب المنطق والعلوم إلى الجحيم .
وفي
صحيح البخاري / كتاب الطب ,حدثنا محمد بن بشار: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شُعبة، عن قتادة، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد قال:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: (اسقه عسلاً). فسقاه فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال: (صدق الله وكذب بطن أخيك). تابعه النضر، عن شُعبة.

هكذا يعلم محمد أتباعه كيف يتملصون من الإجابة , فالله صادق مهما تبين لنا من تناقضه مع الواقع , فلست أخي المسلم مطالباً بتصديق نظريات التطور , ولا علوم الفيزياء والفضاء , ولكن سلم عقلك لكلام إلهك الطائر .
إن القول بالخلق يعني أن إلههم قد صنع الشيء بذاته دون تدخل من أي قوة خارجية , فإلههم لن يخلق إنساناً واحداً إلا بليلة حمراء بين الرجل وزوجته او معشوقته , فلماذا يعجز إلههم عن خلق الإنسان دون الحاجة للبس اللنجري والثياب الشفافة ؟؟؟ هل يحتاج إلههم لمساعدتنا حتى ينجز خلقه ؟؟؟

الإنسان موجود وليس مخلوق , والطبيعة هي التي أوجدتنا بغير إدراك ولا وعي , كيف ؟؟؟؟ عبر ملايين السنين من التجارب الطويلة التي أدتها الطبيعة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن.





هل خلق إلهكم المطر ؟؟؟ ولماذا لا نرى مطراً ينزل علينا إلا في أوقات معينة من السنة ؟ وفي ظروف جوية معينة ؟
وعلى ما يبدو فإن إلهكم متابع جيد للنشرات الجوية , ولن ينزل علينا الغيث إلا إن تجمعت السحب والكتل الهوائية الباردة فوق سماء غزة ؟ وبعدها فلتغرق غزة من صنيعة هذا الإله العابث..
من الآن , سوف يكون لنا في النقاش مجرىً آخر , فقبل أن تسألونا من الخالق , فعليكم أن تقولوا لنا أين هو هذا المخلوق , ولن نصدق أنه مخلوق حتى تثبتوا لنا بأن إلهكم قال له كن فيكون .
إلهكم خلق السماء وقال لنا انظروا إليها , فأين هي هذه السماء ؟؟؟


أشهد أن لا إله ولا الله
وأشهد أن العقل قد غلب الله


أخوكم سهران


الجمعة، 18 ديسمبر 2009

أختاه اخلعي حجابك


أصبح الحجاب اليوم مظهرا من مظاهر انتشار ما يسميه المسلمون اليوم بالصحوة الدينية , وصار موضوعا مثيرا للنقاش ليس فقط في الشرق الغارق في جهالات الدين وحسب , إنما انتشرت حمى الحديث بشأنه داخل المجتمعات الغربية التي ساءها انتشار هذا اللباس وسط الحضارة والجمال , فصار منظر المحجبة مدعاة للاستفزاز والشعور بمحاولة المسلمين غزو أوروبا من جديد , وذلك لن يكون بالغزو العسكري فقد أصبح المسلمون كما تنبأ نبيهم كغثاء السيل , وصاروا ملطشة الشعوب الأخرى , إنما هذه المرة سيغزونها بالهجرات المتواصلة , والتكاثر العددي عن طريق كثرة الإنجاب وهذا ما يفسر ازدياد أعدادهم في الغرب , بعكس ما يروج له الإسلاميون من انتشار الإسلام بين أوساط الأوروبيين , واليوم أريد أن أقدم لكم قراءة مختلفة نوعا ما عن كتاباتي السابقة , فاليوم سوف أقوم بدور بالتأكيد لن يعجب المسلمين , ولكني أعتبره نوعا من تلطيف الصورة المأخوذة عنهم , وذلك من خلال تفنيد ظاهرة الحجاب ’ ولكن ليس من وجهة نظر لادينية , إنما من خلال النظر في الأدلة الدينية التي يسوق لها دعاة الحجاب , والتبين ما إذا كان الحجاب هو فعلا من شعائر الإسلام الأول , أم أنه من نتاج الفكر الإسلامي الذي تراكم على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان , وهنا أقصد بالإسلام الأول هو ما تركه القرآن وكتب الحديث , والتي تعتبر أقدم ما دون في الإسلام , وقبل أن أبدا في مقالي هذا أود أن أؤكد بأن مقالي هذا لا يعد بأي حال من الأحوال ردة إلى الوراء , كما قد يتوقع بعض الأصدقاء , بل هو محاولة لإظهار تلك القدرة البشرية على اللعب بذلك الدين الذي يسمونه بالسماوي , من أجل فرض آرائهم الخاصة , عن طريق توضيح الفرق بين النصوص التي يتشدق بها المؤمنون , وبين حقيقة ما هو واقع فعليا .



من دراستي لموضوع الحجاب وجدت ضعف الدليل القرآني أو السني لموضوع الحجاب , حيث يتحجج المسلمون بآيات تكاد تكون بعيدة كليا عما هو موجود حاليا , ودعونا ندرس تلك الآيات وهي تنحصر في سورتي النور والأحزاب المدنيتين،وهذه الآيات هي:
* [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ] (الأحزاب: 59).
وهنا نلاحظ أن الآية بدأت بمخاطبة محمد بصفة النبوة كنبي , وليس كرسول , وهنا لن نكون متجنيين على أحد عندما نذكركم بالفرق بين معنى النبوة والرسالة , إذ النبي ينبّأ لنفسه ولا يطلب منه التبليغ , أما الرسول فهو نبي ولكن يطلب منه تبليغ ما بلّغ به , وما يلفت الانتباه في هذه الآية هو أنها لم تأت لتفرض على المسلمة حجابا كالذي نراه اليوم , بل كان له هدف آخر , وكان كما بدا لنا أنه عبارة عن تشريع طبقي , وحتى نتبين أولاْ صدق هذه المقولة فلنعد إلى سبب نزولها أولا وذلك بطبيعة الحال سوف يكون من خلال العودة إلى كتب التفاسير , والتي لولاها لكان القرآن كتابا أجوفا لا معنى له , وخير ما نبدأ به من تفسير الطبري حيث يقول من جملة ما يقول: يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ , لَا يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ فِي لِبَاسهنَّ إِذَا هُنَّ خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتهنَّ لِحَاجَتِهِنَّ , فَكَشَفْنَ شُعُورَهُنَّ وَوُجُوهَهُنَّ , وَلَكِنْ لِيُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ , لِئَلَّا يَعْرِض لَهُنَّ فَاسِق , إِذَا عَلِمَ أَنَّهُنَّ حَرَائِر بِأَذًى مِنْ قَوْل ,ويقول ابن كثير : يَقُول تَعَالَى آمِرًا رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا أَنْ يَأْمُر النِّسَاء الْمُؤْمِنَات الْمُسْلِمَات - خَاصَّة أَزْوَاجه وَبَنَاته لِشَرَفِهِنَّ - بِأَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ لِيَتَمَيَّزْنَ عَنْ سِمَات نِسَاء الْجَاهِلِيَّة وَسِمَات الْإِمَاء , ويقول أيضا : وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح حَدَّثَنِي اللَّيْث حَدَّثَنَا يُونُس بْن يَزِيد قَالَ وَسَأَلْنَاهُ يَعْنِي الزُّهْرِيّ هَلْ عَلَى الْوَلِيدَة خِمَار مُتَزَوِّجَة أَوْ غَيْر مُتَزَوِّجَة ؟ قَالَ عَلَيْهَا الْخِمَار إِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَة وَتُنْهَى عَنْ الْجِلْبَاب لِأَنَّهُ يُكْرَه لَهُنَّ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ الْمُحْصَنَات , والوليدة هنا هي الأمة , ويقول أيضا : وَقَوْله " ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ " أَيْ إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ عَرَفَهُنَّ أَنَّهُنَّ حَرَائِر لَسْنَ بِإِمَاءٍ وَلَا عَوَاهِر , ويقول تفسير الجلالين : "يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ" جَمْع جِلْبَاب وَهِيَ الْمُلَاءَة الَّتِي تَشْتَمِل بِهَا الْمَرْأَة أَيْ يُرْخِينَ بَعْضهَا عَلَى الْوُجُوه إذَا خَرَجْنَ لِحَاجَتِهِنَّ إلَّا عَيْنًا وَاحِدَة "ذَلِكَ أَدْنَى" أَقْرَب إلَى "أَنْ يُعْرَفْنَ" بِأَنَّهُنَّ حَرَائِر "فَلَا يُؤْذَيْنَ" بِالتَّعَرُّضِ لَهُنَّ بِخِلَافِ الْإِمَاء فَلَا يُغَطِّينَ وُجُوههنَّ فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ "وَكَانَ اللَّه غَفُورًا" لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْك السِّتْر "رَحِيمًا" بِهِنَّ إذْ سَتَرَهُنَّ ,
وهنا أكون قد نقلت لكم من تفسيرات كبار العلماء المسلمين لهذه الآية , لنصل إلى الحقيقة التالية :
إن ما ورد في الآية كان درءا للمخاطر التي سوف تتعرض لها المسلمة الحرة من فساق المدينة , وترك للإماء أن يخرجن بدون جلباب , وهذا يعطينا فكرة واضحة بأن تلك الآية لم تكن إلا تشريعا طبقيا , بهدف الحفاظ على شرف الحرة , بينما تركت الجواري ليكونوا وليمة سهلة للفساق .
أما أكثر ما يثير غرابتي من هذه الآية هو اعترافها بوجود الفساق في مجتمع الرسول الذي ما فتئ شيوخنا يطالبون بالعودة إليه , بل نجد أنه قد كان فيهم العواهر, وجاءت الآية ليس لمنعهم من فعلهم هذا الذي لن تجد دولة متحضرة تقبل به , بل لإعطائهم علامة تدلهم على أي من النساء يعتدون , حيث لن تستطيع بناتنا أن يخرجن من بيوتهن إلا وقد شددن على أنفسهن الجلابيب , ويظهروا عينا واحدة , اتقاء لشر فساق المدينة.



* [ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] (النور: 30-31).
وقد اختلف المفسرون في تبيان من هي الآية التي سبقت الأخرى في الآيتين السابقتين إلا أن الأرجح لديهم هو أن الآية في سورة الأحزاب قد سبقت تلك التي في سورة النور , ولأننا لا نريد الدخول في جدل عقيم حول ما هي الآية التي سبقت الأخرى , مع ما في ذلك من إنقاص لقيمة الآيتين , ولكن سنأخذ بالقول بأن سورة الأحزاب قد نزلت قبل سورة النور , وبعد أن شرحت لكم الآية في سورة الأحزاب , نأتي للاية في سورة النور , ونلاحظ في الآية أنها قد شرحت وبالتفصيل من هم أولئك الذين سوف تظهر المسلمة زينتها أمامهم , ولكن على فرض أن هذه الآية هي دليل على الحجاب , فلماذا لم يذكر العم أو الخال أو زوج الابنة , مع أننا نعرف تماما أن الإسلام الحالي يبيح للمسلمة كشف شعرها أمامهم , حيث يقول ابن كثير : وَقَالَ لَمْ يَذْكُر الْعَمّ وَلَا الْخَال لِأَنَّهُمَا يَنْعَتَانِ لِأَبْنَائِهِمَا وَلَا تَضَع خِمَارهَا عِنْد الْعَمّ وَالْخَال , ومعنى ذلك أن العم والخال ليسوا ممن يباح للمسلمة كشف شعرها أمامهم لأنهم سوف يذهبوا ويصفوها لأبنائهم . فما بال المسلمين قد أباحوا لبناتهم بكشف زينتهن أمام العم والخال طالما أنه لم يصرح لهم بذلك !!! وتأتي الطبقية التشريعية مرة أخرى لتلقي بظلالها حيث يقول ابن كثير : وَقَوْله " أَوْ نِسَائِهِنَّ" يَعْنِي تَظْهَر بِزِينَتِهَا أَيْضًا لِلنِّسَاءِ الْمُسْلِمَات دُون نِسَاء أَهْل الذِّمَّة لِئَلَّا تَصِفهُنَّ لِرِجَالِهِنَّ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَحْذُورًا فِي جَمِيع النِّسَاء إِلَّا أَنَّهُ فِي نِسَاء أَهْل الذِّمَّة أَشَدّ فَإِنَّهُنَّ لَا يَمْنَعهُنَّ مِنْ ذَلِكَ مَانِع فَأَمَّا الْمُسْلِمَة فَإِنَّهَا تَعْلَم أَنَّ ذَلِكَ حَرَام فتزجر عَنْهُ , أي أنه حتى المسيحية واليهودية لا يجوز للمسلمة أن تكشف زينتها أمامها , بل إنه يكاد يكون مكروها حتى أمام المسلمات أنفسهم حسب قوله , لأنهن سوف يقمن بالوصف , وهنا طبعا نلحظ أن التفسير قد ابتعد عن النص القرآني , وعن ما هو حاصل فعلا في تصرفات المسلمين اليوم .أما وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا فقد اختلف المفسرون في تحديد تلك الزينة التي لا يمكن إخفاؤها , ويلاحظ في هذه الآيات عدم ورود نص نبوي يعلق عليها , إلا ما كان من ردود الفعل من قبل الصحابة : وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن يُونُس حَدَّثَنِي الزِّنْجِيّ بْن خَالِد حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم عَنْ صَفِيَّة بِنْت شَيْبَة قَالَتْ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْد عَائِشَة قَالَتْ فَذَكَرْنَ نِسَاء قُرَيْش وَفَضْلهنَّ فَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا إِنَّ لِنِسَاءِ قُرَيْش لَفَضْلًا وَإِنِّي وَاَللَّه مَا رَأَيْت أَفْضَل مِنْ نِسَاء الْأَنْصَار أَشَدّ تَصْدِيقًا لِكِتَابِ اللَّه وَلَا إِيمَانًا بِالتَّنْزِيلِ لَقَدْ أُنْزِلَتْ سُورَة النُّور " وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ " اِنْقَلَبَ رِجَالهنَّ إِلَيْهِنَّ يَتْلُونَ عَلَيْهِنَّ مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْهِمْ فِيهَا وَيَتْلُو الرَّجُل عَلَى اِمْرَأَته وَابْنَته وَأُخْته وَعَلَى كُلّ ذِي قَرَابَته فَمَا مِنْهُنَّ اِمْرَأَة إِلَّا قَامَتْ إِلَى مُرْطهَا الْمُرَحَّل فَاعْتَجَرَتْ بِهِ تَصْدِيقًا وَإِيمَانًا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَابه فَأَصْبَحْنَ وَرَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَجِرَات كَأَنَّ عَلَى رُءُوسهنَّ الْغِرْبَان , و هنا نلحظ أن ذلك الفعل كان من اجتهاد نساء الأنصار , ولم يرد عن الرسول ما يفيد بتأكيد أو نفي هذا العمل , ولو أن المسلمون يعتبرون أن ما سكت عنه النبي يعتبر إقرارا له وبالتالي أصبح سنة , ولو كان فرضا من عند الله لقام إليهم محمد نفسه وأمرهم بذلك , إنما ترك لهم الاجتهاد في فهم تلك الآية , وأقرهم بذلك كونه لم ينفي الأمر , إلا أن الأمر يبقى مجرد سنة وليس فرض كما يحلو للمسلمين القول , أما أغرب ما في التفاسير بخصوص هذه الآية ما نجده في تفسير الطبري حيث يقول : كَتَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمَا : أَمَّا بَعْد , فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاء يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَات وَمَعَهُنَّ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب , فَامْنَعْ ذَلِكَ وَحُلْ دُونه ! قَالَ : ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَة قَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَام مُبْتَهِلًا : اللَّهُمَّ أَيّمَا امْرَأَة تَدْخُل الْحَمَّام مِنْ غَيْر عِلَّة وَلَا سَقَم تُرِيد الْبَيَاض لِوَجْهِهَا , وهنا مع ما نلحظه من كون هذا الفعل من اجتهاد الصحابة , إلا أننا نلحظ أن أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح رفض للمسلمة أن تستحم إلا لعلة أو سقم , ويقولوا بعدها بأن الإسلام قد كرم المرأة , فأي تكريم هذا الذي يريد للمسلمة أن تكون كالجيفة المنتنة , وهل يصح أن تؤخذ اجتهادات الصحابة كمأخذ علينا اليوم !!!



آية الحجاب :
* [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا ] (الأحزاب: 53).
وهذه الآية تعرف بأنها آية الحجاب , ومن اسمها يأتي شيوخ المسلمين ليذكروا المسلمة بحجابها دون أن يذكروا لهم ما هي آية الحجاب , وكثير من المسلمات تظن بأنها الآية 31 من سورة النور سالفة الذكر , إلا أن هذه المعلومة هي من افتراء مشايخ الإسلام ومدعوذيهم , إذ يكفي أن نذكر أولا بأن كلمة الحجاب قد ذكرت في القرآن سبعة مرات , وتعني كلمة الحجاب أي الساتر , ولم تكن تعني حجاب المسلمة إلا في عرف شيوخ اليوم , عن ابن شهاب أن أنسا قال : أنا أعلم الناس بالحجاب كان أبي بن كعب يسألني عنه : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروساً بزينب بنت جحش وكان تزوجها بالمدينة فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس معه رجال بعد ما قام القوم حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى ومشيت معه حتى بلغ باب حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجعت معه فإذا هم جلوس مكانهم فرجع ورجعت معه الثانية حتى بلغ باب حجرة عائشة فرجع ورجعت معه فإذا هم قد قاموا فضرب بيني وبينه سترا وأنزل الحجاب . رواه البخاري ( 5149 ) ومسلم ( 1428 , فهذه الآية وبكل بساطة تطلب من المؤمنين ألا يكلموا زوجات النبي إلا من وراء حجاب وهو الستار الذي يسدل بين غرفهم والمسجد , حيث كانت غرفهن ملاصقة للمسجد , يقول ابن كثير : هَذِهِ آيَة الْحِجَاب وَفِيهَا أَحْكَام وَآدَاب شَرْعِيَّة وَهِيَ مِمَّا وَافَقَ تَنْزِيلهَا قَوْل عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَافَقْت رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي ثَلَاث قُلْت يَا رَسُول اللَّه لَوْ اِتَّخَذْت مِنْ مَقَام إِبْرَاهِيم مُصَلًّى فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إِبْرَاهِيم مُصَلًّى " وَقُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّ نِسَاءَك يَدْخُل عَلَيْهِنَّ الْبَرّ وَالْفَاجِر فَلَوْ حَجَبْتهنَّ فَأَنْزَلَ اللَّه آيَة الْحِجَاب , وَقُلْت لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَمَالَأْنَ عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَة " عَسَى رَبّه إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ " فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ ,
وفي تفسير الجلالين : "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ" أَيْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَتَاعًا فَسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب" سِتْر "ذَلِكُمْ أَطْهَر لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبهنَّ" مِنْ الْخَوَاطِر الْمُرِيبَة "وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّه" بِشَيْءٍ "وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجه مِنْ بَعْده أَبَدًا إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْد اللَّه" ذَنْبًا
ويقول الطبري : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّه , إِنَّ نِسَاءَك يَدْخُل عَلَيْهِنَّ الْبَرّ وَالْفَاجِر , فَلَوْ أَمَرْتهنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب.
وهنا يتضح لنا بأن هذه الآية كانت مقصودة بزوجات النبي , ولم يرد في التفاسير خلاف ذلك .ونلحظ بعدها من الأحاديث التي تتكلم عن الحجاب ورودها على لسان زوجات النبي , دون سواهن من المسلمات .




* [ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ] (الأحزاب: 33).
وهذه الآية يستخدمها شيوخ الإسلام في محاولتهم لاصطياد أي شبهة تفرض على المسلمة ذلك الحجاب , ولكن يتجاهلون أن هذه الآية لها ما قبلها : يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ وقلن قولاً معروفاً , وهنا نجد مرة أخرى كيف هي الانتقائية في التعامل مع النصوص , فهم يتمسكون بقوله وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى , بينما يتجاهلون أن هذا النص هو مخصص لنساء محمد حيث : يا نساء النبي لستن كأحد من النساء , فنساء محمد لهن وضع خاص فهن محرمات على المسلمين ولا يجوز نكاحهن بعد محمد , وهن كذلك نزلت فيهن تلك الآية دون سواهن من النساء و ولو جاز للمسلم بأن يقول بأن زوجات النبي هن قدوة لبقية المسلمات , لوجب على المسلمة أن تبقى في بيتها ولا تخرج منه و ولحرم عليها الزواج من بعد زوجها ,
يقول القرطبي : مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة الْأَمْر بِلُزُومِ الْبَيْت , وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب لِنِسَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ دَخَلَ غَيْرهنَّ فِيهِ بِالْمَعْنَى . هَذَا لَوْ لَمْ يَرِد دَلِيل يَخُصّ جَمِيع النِّسَاء , كَيْف وَالشَّرِيعَة طَافِحَة بِلُزُومِ النِّسَاء بُيُوتهنَّ , وَالِانْكِفَاف عَنْ الْخُرُوج مِنْهَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ , عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع . فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُلَازَمَةِ بُيُوتهنَّ , وَخَاطَبَهُنَّ بِذَلِكَ تَشْرِيفًا لَهُنَّ , وهنا أيضا نجد أن تعميم الآية على جميع المسلمات هو نتاج الاجتهاد الفقهي وليس من طريق نص واضح سواء كان قرآنا أو حديثا , وهو وإن كان اجتهادا صحيحا , فالاجتهاد ليس بالدين , بل هو وجهة نظر في الدين , كما أن الآية اختتمت بالحديث عن تطهير آل البيت من الرجس , فإن كان الأمر موجها لآل البيت فما ذنب بقية المسلمات في ذلك , وهل يوجد في كل بيت نبي حتى تعمم هذه الآية على الجميع !!!!
* [ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ] (النور:60).
وفي تفسير الجلالين وَالْقَوَاعِد مِنْ النِّسَاء" قَعَدْنَ عَنْ الْحَيْض وَالْوَلَد لِكِبَرِهِنَّ "اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا" لِذَلِكَ "فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ" مِنْ الْجِلْبَاب وَالرِّدَاء وَالْقِنَاع فَوْق الْخِمَار "غَيْر مُتَبَرِّجَات" مُظْهِرَات "بِزِينَةٍ" خَفِيَّة كَقِلَادَةٍ وَسِوَار وَخَلْخَال "وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ" بِأَنْ لَا يَضَعْنَهَا "خَيْر لَهُنَّ وَاَللَّه سَمِيع" لِقَوْلِكُمْ "عَلِيم" بِمَا فِي قُلُوبكُمْ , وهنا نلحظ بأن القرآن قد جعل للعجوز الكبيرة الحق أن تخفف من ثيابها طالما بلغت سن اليأس , ولكن ماذا لو تبرجت العجوز ووضعت كل مساحيق الزينة , فهل سيرغب بها الرجال ؟؟؟ من قال نعم فليراجع أقرب مستشفى نفسي فورا , فلماذا منع الله المسلمة من التزين حتى لو كبرت في السن ؟؟ إن هذا يضعنا أمام تحليل آخر للآية , حيث طالما أنه من حق العجوز طرح شيء من ثيابها , فنحن أمام نفي لأن تكون المرأة عورة لأنها امرأة , والموضوع يتعلق بمجتمع فيه من الفساق من لم يؤدبهم الدين ولم يكن لهم من الإيمان شيء , فهنا نتحدث عن ثقافة اجتماعية تفرض نفسها , وكما استجاب الله لطلب عمر بحجاب زوجات النبي , فهو سوف يقدر الظرف الاجتماعي الذي نزلت من بينه تلك الآيات ,
الحديث النبوي :
وهذه بعض الأحاديث التي يستخدمها الشيوخ لإثبات نظرتهم للموضوع :
1- روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها )
ويستعمل شيوخ الإسلام هذا الحديث اليوم وتفسيره بأن الكاسيات العاريات هن من يلبسن من اللباس ما لا يستر أجزاء من الجسم , بل ويتمادون ليذكروا أضرار اللباس الكاسي العاري , واستخدام هذا الحديث لتخويف المسلمة من لبس الملابس الكاشفة للجسد.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ) فقد فسر ذلك أهل العلم بأن معنى " كاسيات " يعني من نعم الله ." عاريات " يعني من شكرها ، لم يقمن بطاعة الله ، ولم يتركن المعاصي والسيئات مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره ، وفسر الحديث أيضا بمعنى آخر وهو أنهن كاسيات كسوة لا تسترهن إما لرقتها أو لقصورها ، فلا يحصل بها المقصود ، ولهذا قال : " عاريات " ، لأن الكسوة التي عليهن لم تستر عوراتهن , والقول هنا لابن باز وليس لبن كريشان , ولاحظوا عدم الاتفاق على معنى واحد له, ولا تعليق
2- روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا- وأشار إلى وجهه وكفيه
حديث مرسل , وليس حديثا صحيحا , ويستخدمه منظرو الحجاب للدلالة على حرمة ظهور غير الكف والوجه , فيما يطعن دعاة النقاب به لكونه ليس حديثا صحيحا والبقية عندكم .
3- الأحاديث التي وردت في كتب التفاسير , كانت جميعها على لسان الصحابة , ونتاج اجتهادهم , ونلحظ الاختفاء المريب لدور النبي في الحديث عن هذا الموضوع في أحاديث صحيحة
مسائل تستحق النظر فيها :
1- العورة : هناك تعريف شائع عند الناس بأنها ما يجمل ستره ويقبح إظهاره , وهناك تفصيلات كثيرة لها عند الفقهاء المسلمين , ويقسموها إلى عدة أنواع , وفي المحصلة فهناك اختلاف كبير في تعريف العورة , وحدودها , بل أن العامل الزمني كان له دوره في تغيير المفهوم العام لها , وما يلفت الانتباه ويستحق الوقوف هو مسألة عورة الأمة , ولنأخذ رأي فقهاء الإسلام الكبار , يقول ابن تيمية : والحجابُ مختصٌّ بالحرائر دون الإماء، كما كانت سُنّةُ المؤمنين في زمن النبي وخلفائه: أن الحُرَّةَ تحتَجِبُ، والأَمَة تبرُز. وكان عمر إذا رأى أَمَةُ مُختَمِرة، ضرَبها وقال: أتتشبهين بالحرائر؟.
ولكنه يقول في موضع آخر : إنَّ الإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، وإن كُنَّ لا يحتجبن كالحرائر؛ لأن الفتنة بهنَّ أقلُّ، فَهُنَّ يُشبهنَ القواعدَ مـن النِّساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، قـال تعالى فيهن:{ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } (النور: من الآية60)، يقول: وأما الإماء التركيَّات الحِسَان الوجوه، فهذا لا يمكن أبداً أن يَكُنَّ كالإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، ويجب عليها أن تستر كلَّ بدنها عن النَّظر، في باب النَّظر. وعلَّل ذلك بتعليل جيِّدٍ مقبولٍ، فقال: إن المقصود من الحجاب هو ستر ما يُخاف منه الفِتنة بخلاف الصَّلاة، ولهذا يجب على الإنسان أن يستتر في الصَّلاة، ولو كان خالياً في مكان لا يطَّلع عليه إلا الله. لكن في باب النَّظر إنما يجب التَّستر حيث ينظر الناس. قال: فالعِلَّة في هذا غير العِلَّة في ذاك، فالعِلَّة في النَّظر: خوف الفتنة، ولا فرق في هذا بين النِّساء الحرائر والنِّساء الإماء. وقوله صحيح بلا شكٍّ، وهو الذي يجب المصير إليه.
وهنا نلحظ التخبط الذي وقع به شيوخ الإسلام , حيث أن الموضوع يبقى مسألة زمنية وظرفية متعلقة بالحدث الموجود و وليست أصلا ثابتا في الدين , إذ لو كان الموضوع أصلا من أصول الدين , لبقي على حاله , سواء في عهد الرسول أو في عهد صحابته , وهذا ما لم يحصل في قصة الحجاب , وعورة الأمة .



2- تكريم المرأة بالحجاب صونا لها : وهنا يجب أن نتوقف بشكل جدي أمام هذا الادعاء بأن أخلاق المرأة وكرامتها لن تحفظ إلا بارتدائها لأكوام من القماش , فهل عجز الإسلام عن إيجاد طريقة أخرى للحفاظ على أخلاق المسلمة ؟؟ أم لأنها ناقصة عقل ودين وجب عليها العقاب الإلهي ؟؟
إن التذرع بمسألة العفة والخلق الحسن دافعا للبس الحجاب لم تكن أبدا من حيثيات النصوص التي يتذرع بها دعاة الحجاب , بل ونجد أن المدعوذين يلجئون لوصف الرجال بالذئاب البشرية التي لا هم لها إلا ركوب النساء من أجل حث المرأة المسلمة على ارتداء ذلك اللباس , فما رأيكم بدين عجز عن لجم جموح أبنائه بعد 1400 من نزوله , ليبقوا ذئابا متوحشة مولعة بالجنس والنساء ؟؟ فهل تكريم الإسلام للمرأة يستدعي إهانة الرجل بهذه الطريقة ؟؟ ولنا تساؤل : إن كان الإسلام قد بالغ في تكريم المراة ففرض عليها الحجاب اتقاء لعيون الرجال , فلماذا لا يكرم الله الرجال أيضا ويأمرهم بربط ألسنتهم , حيث الرجل يعشق بعينه , والمرأة تعشق بأذنها , فكلمات الرجل هي التي سوف تسحر النساء , فهل يتكرم علينا الإسلام يوما بأن يأمرنا بربط ألسنتنا ؟؟ وإن كنت أظن أنه سيلجأ لأن يفرض على المؤمنات سد آذانهن بالقطن , حتى لا تتسلل كلمات الذئاب البشرية إلى آذانهن!!!
الخلاصة :
من خلال ما سبق , كشفت لكم عن تناقض واضح بين النصوص القرآنية من حيث أسباب نزولها وتفسيراتها و وبين ما هو محدث من دعاة الحجاب اليوم , حيث لم يكن هناك نص واضح يأمر بذلك , ولم يكن هناك حديث عن العفة والطهارة , فخديجة بنت خويلد ماتت , ولم تنزل أي آية من تلك الايات , فهل يأتي لنا أحد المسلمين ليشكك في عفتها وطهارتها ؟؟!!

وفي النهاية فهذه كلمتي أوجهها للمرأة المسلمة قائلا لها : أختاه اخلعي حجابك , ومزقي نقابك , وألقي بجلبابك في أقرب سلة مهملات , فأنت لست بحاجة لأن تكفّني نفسك بتلك الثياب حتى نعرف أنك طاهرة وخلوقة , اخرجي بزينتك وتمتعي بجمالك الذي وهبته لك الطبيعة , ولا تأبهي لأقوال المدعوذين ممن لا هم لهم إلا التنكيد عليك , وحرمانك من حريتك , ليعدوك بعدها بأن أغلب أهل النار هن من النساء , فلا تأبهي لقول كل سفيه , وعيشي حياتك كما تحبين

أخوكم سهران

الجمعة، 11 ديسمبر 2009

إعجازيات جيولوجية - نقص أطراف الأرض





أعزائي
رغم حالة الزكام الشديد التي ألمّت بي حاليا , وكنت أود أن أعطي نفسي أجازة عن التدوين بضعة أيام , حتى آخذ قسطا من الراحة , ولكن يا خسارة , فليس بالإمكان أن أهنأ بالراحة , فقد فوجئت في
أحد المدونات لأخت مسلمة بموضوع عن الإعجاز العلمي في القرآن , ولا أعلم بصراحة سر ولعي بمتابعة المواقع الإسلامية , غير أني كلما قرأتها ازددت إلحادا فوق إلحاد , وازدادت رغبتي بنقض هذا الدين من جذوره , وعود على بدء أرى نفسي ملزما بالرد على ما يدعيه إخواننا المسلمين من إعجاز في قرآنهم , وهنا قبل أن أبدأ بتفنيد ما ذكرته أختنا المسلمة , فلابد لي أن أنوه إلى عدة أمور هامة يجب أخذها في الحسبان:
1- أننا حينما ننقض الحديث عن الإعجاز فهو ليس بالضرورة أن يكون هدفه مهاجمة الإسلام نفسه , أو إثبات أن الآية في القرآن هي محض خرافة , فقد تكون الآية تتكلم عن موضوع , ويأتي الإعجازيون ليحملوها معنى لا تحتمله , ولم يقل به أحد من العالمين
2- رغم أن هدفنا من نقض الإعجازيات هو تلك المعجزة نفسها , إلا أننا نكتشف غالبا أن تلك الآيات نفسها قد تحدثت عن أمور لا يقبلها العلم , وكأن المسلمون يريدون أن ينبهوننا لأخطاء قرآنهم . من دون قصد , وهذا ما نسعى لتوضيحه للناس
3-ألاحظ دائما من خلال متابعتي الدءوبة لتلك المواقع هو حرصهم على استخدام ألفاظ محكمة توحي للقارئ بأنه سيأخذ معلومة صحيحة مائة بالمائة من ماركة (تبين بما لا يقبل الشك , يقول العلماء, في أحدث بحث علمي , في مؤتمر علمي أو طبي ...., اكتشف العلماء , وقد اعترف الغرب .....الخ ) وهي ألفاظ وإن أوحت لقارئها بتمكن صاحب المقال من مقولته , إلا أنها غالبا ما تتجاهل ذكر الدليل والمصدر وهذا ما يجعلنا نشك تماما في صحة ما يذكروه
وأريد أن أكون واضحا منذ البداية , فأنا لن أرد على جميع النقاط التي ذكرتها الأخت , ليس اعترافا بصدق تلك المعجزات , وإنما أتركها كمادة للمقالات القادمة , وحرصا على إعطاء كل فكرة حقها من النقد , وذلك إما في مقالات متتالية أو متباعدة حسب الظروف والإمكانيات, وأول ما أبدأ به سوف أنقل لكم حرفيا ما كتبته أختنا المسلمة
:
الأرض تتناقص:
أظهرت القياسات الجديدة عام 2007 للأرض بان هناك تناقصا عن القياسات السابقة ، و لا يعلم العلماء هل هو تناقص حقيقي أم هو بسبب تطور أجهزة القياس؟


"أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ "


وهنا أعزائي وكي نكون علميين في نقدنا لما ذكر من الإعجاز , فكان لزاما علي أن أبدأ بالسفر عبر الإنترنت إلى مواقع التفسير , والتي تفسر القرآن , ولست بحاجة لتذكيركم بما تحتله تلك الكتب من الأهمية لدى المسلمين , فهي الشارحة والمفصلة للقرآن , وطبعا فلن نذهب إلى أي شيخ مسلم , بل إلى كبارهم لنرى ماذا قالوا عن تلك الآية في القرآن وكيف فسروها, فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون : يقول الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة الَّذِينَ يَسْأَلُونَ مُحَمَّدًا الْآيَات , أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض فَنَفْتَحهَا لَهُ أَرْضًا بَعْد أَرْض حَوَالَيْ أَرْضهمْ , أَفَلَا يَخَافُونَ أَنْ نَفْتَح لَهُ أَرْضهمْ كَمَا فَتْحنَا لَهُ غَيْرهَا , ويقول ابن كثير : وَقَالَ فِي رِوَايَة : أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْقَرْيَة تُخَرَّب حَتَّى يَكُون الْعُمْرَان فِي نَاحِيَة وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا قَالَ خَرَابهَا , وفي تفسير الجلالين : وَقَالَ الْحَسَن وَالضَّحَّاك : هُوَ ظُهُور الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس نُقْصَان أَهْلهَا وَبَرَكَتهَا وَقَالَ مُجَاهِد : نُقْصَان الْأَنْفُس وَالثَّمَرَات وَخَرَاب الْأَرْض
ويقول القرطبي : يَعْنِي , أَهْل مَكَّة , " أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض " أَيْ نَقْصِدهَا . " نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا " اُخْتُلِفَ فِيهِ ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : " نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا " مَوْت عُلَمَائِهَا وَصُلَحَائِهَا ,,,,,,,,,,,,,,,, وهنا ينبغي الإشارة إلى أني لم أذكر التفاسير كاملة ولكن أخذت مقتطفات منها , وبإمكانكم وبكل بساطة أن ترجعوا إلى الروابط التي تركتها لكم لتستزيدوا منها .
إذا فعلماء التفسير بجلالة قدرهم وسعة علمهم فاتهم أن يذكروا ذلك الإعجاز العلمي العظيم الذي اكتشفه علماؤنا الجدد , لنجد أنهم فسروا نقص أطراف الأرض بمعاني مختلفة كعادتهم , ولكن لم يمن الله على أحدهم حتى يكتشف الإعجاز العلمي الرفيع الذي ينفحنا به مدعوذو اليوم , فهم فسروها تارة بأنها فتوحات محمد وتارة أخرى فسروها بخراب القرية وتارة أخرى بنقص الثمرات ,وتارة بغلبة المسلمين على المشركين وتارة أخرى بموت العلماء , وهنا نريد من إخواننا الإعجازيين أن يحسموا لنا أمرهم من كل تلك التفاسير المتناقضة , والتي على كثرتها لم تتعرض للمعنى الإعجازي ,
ولكن ماذا لو كان تفسير الإعجازيين للآية هو الصحيح , وكانت الأرض تتناقص من أطرافها كما يزعمون , وهذا الطرح يجعلنا نكفر بكروية الأرض حيث لا أطراف لها ,والعلم يقول بأن الأرض مفلطحة ويكون التفلطح في أشد حالاته عند خط الاستواء , ولكن هذا لا يجعلنا نقول بأن خط الاستواء هو أطراف الأرض , وكذلك فالقطبين الشمالي والجنوبي لن يكونا طري الأرض , وحتى يكون المعنى مطابقا للمقولات الإعجازية فنحن مضطرون لنتخيل الأرض على هيئة صينية كنافة كالتي ترونها في الأسفل , حيث سوف تكون الأرض حينها مسطحة ,ونتخيلها كما لو أنها قد أصبحت تحت رحمة شيوخنا المبجلين ينقصون من أطرافها, فتفضلوا معنا, مع تمنياتي لكم بالهنا والشفا
.
وبعد كتابة هذه الكلمات وجدت أن أختنا الكريمة قد قامت بالرد علينا في هذا الرابط , وذكرت بأمانة تشكر عليها ما قمت أنا نفسي بذكره , ولكنها استطردت بذكر تفسير آخر لتلك الآية من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم , وهو على كل حال من تأليف علماء الأزهر الجدد , حيث يذكر ذلك المعنى الذي أشرت له سابقا , ولكنه يضيف (تتضمن هذه الآية حقائق وصلت إليها البحوث العلمية الأخيرة إذ ثبت أن سرعة دوران الأرض حول محورها وقوة طردها المركزي يؤديان إلى تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الأرض، وكذلك عرف أن سرعة انطلاق جزئيات الغازات المغلفة للكرة الأرضية إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها، فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية. وهذا يحدث بصفة مستمرة فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها، لا أرض أعداء المؤمنين، وهذا احتمال في التفسير تقبله الآية الكريمة.) , وهنا نجد دليلا جاهزا على ما نقوله ونكرره باستمرار حول المنهج التلفيقي للتفسير القرآني الذي يلجأ إليه المفسرون الجدد , حيث يكون من الصعب عليهم تقبل التفاسير القديمة لتلك الآيات , إما لعدم واقعيتها , أو محاولة لمحاكاة تلك الآيات بالاكتشافات التي يقوم بها علماء الغرب , والتي لن يتوصل إليها علماء الإسلام إلا بعد أن يكتشفها العلماء الغربيين ,
وختاما فلي ملاحظة أتمنى على إخواننا المسلمين أن يوضحوها وهو الاختلاف والتباين في تفسير تلك الآيات , وقبل أن يقولوا لنا بأنه رحمة كما اعتادوا على القول , فأي رحمة في التفاسير السالفة الذكر , وإن كانت آيات القرآن تحتوي العديد من المعاني فبأيها نأخذ , أولا ترون بأن القرآن أصبح مثل السوبر ماركت يأخذ كل واحد منها ما يشاء , وأي إعجاز في كتاب لا نستطيع أن نقف عند تفسير واحد يجتمع عليه المسلمون , وأي عظمة في هذا الكتاب الذي لا يستطيع أن يفهمه الناس إلا بعد العودة إلى علمائهم ؟؟ فهل إلهكم قاصر حتى تفرضوا وصايتكم عليه!!!

وإلى اللقاء مع معجزة أخرى



أخوكم سهران



الاثنين، 7 ديسمبر 2009

المسلمون عالة على الغرب.... ويلعنوهم



خلال مطالعتي لأحد المواقع الدينية المعنية بالإفتاء استوقفني سؤال غريب وإجابة أغرب , حيث يسأل أحد المسلمين عن حكم الإقامة في بلاد الكفار ، والتشبه بهم ، والتبرع لجمعياتهم بالمال , وطبعا فنحن لسنا بحاجة لتذكيركم بموقف المسلمين من الغرب ولكن يأتي هذا السؤال ليحدد علاقة المسلم بهم وهو في عقر دارهم , حيث يسأل أحدهم عن حكم الإقامة في الغرب أو بلاد الكفار كما أسماها , وكان من الرد على سؤاله ما يلي :
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
والسفر إلى بلاد الكفار : محرَّم ، إلا عند الضرورة - كالعلاج ، والتجارة ، والتعلم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة ، وإذا انتهت الحاجة : وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين ، ويشترط كذلك لجواز هذا السفر : أن يكون مُظهِراً لدينه ، معتزاً بإسلامه ، مبتعداً عن مواطن الشر ، حذراً من دسائس الأعداء ومكائدهم ، وكذلك يجوز السفر ، أو يجب ، إلى بلادهم ، إذا كان لأجل نشر الدعوة إلى الله ، ونشر الإسلام .

وهنا فقد حسم ذلك الشيخ أمره من تحريم السفر إليهم , وما بالكم بالإقامة الدائمة فهي كفر صريح إن شئنا أن نتبع مبدأ القياس الذي يتداولونه في بورصة الفتاوى الإسلامية,,, ما علينا

المهم في الموضوع هو ما يذكره هذا الشيخ عن حالات إباحة السفر لهم , وهم الغرب الكافر بالطبع
وأسماها بالضرورات وهي كما يلي :
1- العلاج :

وهنا يبدو أن شيخنا الفاضل قد نسي أن رسوله قد علّم أمته أصول الطب وفنونه , ولا تنسوا الحجامة وبول الإبل , فهو هنا ينكر على الإسلام أن يكون قد علم أبنائه الطب ويبيح لهم الذهاب للكفار حتى يتداووا عندهم , ولا أعلم كيف يتباهى المؤمنون بالطب النبوي الذي يزعمون رغم أن كل الأدوية والعقاقير هي من ابتكار الكفار الذين لم يقرؤوا سنة محمد ولا طبّه , ولم يزعجوا أنفسهم بمطالعة قرآنه , ورغم ذلك تجد من المسلمين من لديه الاستعداد للحديث مطولا عن فضائل الطب النبوي الذي لم أسمع أن بلدا واحدا وحتى الإسلامية منها من يتعاملوا به لعلاج مرضاهم , وقبل فترة بسيطة وبحكم عملي في المجال الطبي جاءني أحدهم وكان يعاني من ضعف حيواناته المنوية وكما هو متوقع والتزاما بأخلاق المهنة فقد أوصيته بالذهاب لأحد الأطباء ممن نالوا سمعة طيبة في هذا المجال , فنظر لي أخانا بنظرة استهبال وقالها مزلزلة مدوية : أنا أستعمل الرقية الشرعية , ولما سألته عن ماهيتها , فقال لي بأنه يأتي بزيت الزيتون ويقرأ عليه آيات معينة من القرآن , ويدهن موضع المرض ( خصيته طبعا ) وما زال ينتظر تكرم الله عليه بالشفاء رغم أنه مواظب عليها منذ سنتين , وحاولت عبثا أن أوضح له فائدة الطب وما قد وصلت إليه العلوم الحديثة في هذا الشأن , فرد عليّ بتذكيري بفوائد ماء زمزم الطبية والتي شهد لها الغرب الكافر نفسه ( والغريب أنهم دائما ينتظرون اعتراف الغرب بكلامهم حتى يتخذوها حجة على الغير ) فلم أجد لي طريقا لإقناعه غير تمنياتي له بالشفاء العاجل , وطبعا كنت أقصد شفاؤه من داء الإيمان الغبي.
2- التجارة :

وطبعا فالقصد هنا هو استيراد كل اختراعات الغرب , وتصدير البترول الذي لم يتعب شيوخنا في صناعته أو حتى التنقيب عنه وتسويقه , ولمن لا يعرف فكل ما هو متداول بين أيدينا اليوم من أعظم الاختراعات مثل الكومبيوتر والهاتف النقال والعربسات , إلى أتفهها كقلم الرصاص وشفرة الحلاقة هي من نتاج الحضارة الغربية التي صنعت وأعطت العالم أجمع , ولم تطلب من المسلمين أن يبوسوا أقدامهم حتى يستفيدوا من تلك المخترعات , وفيما يصر المسلمون على أنهم كانوا السباقين في التطور العلمي فإنك لن تجد اختراعا واحدا لهم , ولا سلعة يخترعوها بأنفسهم , ولولا أن الغرب الكافر قد سمح بالتبادل الاقتصادي والتجاري مع المسلمين , لكنا الآن نعيش في زمن محمد وصحبه , ويمضي المسلم في خيالاته ليظن بأنه عامل مؤثر في التجارة العالمية , وعند كل أزمة مع الغرب تجدهم يهددون بمقاطعة السلع الغربية , كما حصل في حالة الدانمرك حين اشتعلت أزمة الرسوم الساخرة من نبيهم , وحينها أعلن المسلمون عن مقاطعتهم للبضائع الدانمركية , واليوم يهددون بمقاطعة السلع السويسرية , وأحدهم يطلب من أخوانه المسلمين أن يقاطعوا الأجبان الدانمركية ويقول : خليها تسوّس ,,,, ورغم حملات المقاطعة اللا منتهية لم نسمع أن بلدا واحدا قد أفلس من تلك المقاطعة , ولعل هذا يعطينا فكرة واضحة عن الحجم الضئيل والباهت للدول الإسلامية في الاقتصاد العالمي.
3- التعليم :


وهنا نأتي لأحد أكثر المسائل المؤلمة في واقعنا السيئ , حيث أصبح العرب في مؤخرة الأمم بسبب تخلفهم العلمي , وهنا وحتى لا يطول الحديث في هذا الشأن فدعونا أن نذكركم من موقف الإسلام من العلوم الحديثة , واعتبارهم لها علوما دنيوية لا فائدة في الكثير منها , ويطالبون بإلحاح بأن يبحث المسلم عن العلم الشرعي , ونسي شيوخنا الكرام أن دينهم هو من الفطرة , فكيف نحتاج لدراسته وهو متأصل في عقولنا كما يزعمون , وبينما لا يزال شيوخ الإسلام يتبجحون بأنهم هم من علموا الغرب أصول العلوم والفكر , متحججين بحركة الترجمة التي نشأت في الغرب في القرون الوسطى والتي بحثت عن كل ما هو علمي حتى من عند علماء المسلمين ( وهم هنا من عملوا بالعلوم الدنيوية وليس الدينية طبعا ) نجد غيابا كاملا للبحث العلمي الهادف في تلك الدول التي أنعم عليها الله بنعمة الإسلام , ولن تجد مسلما قد أفلح في العلم إلا في ديار الكفر , وفي أثناء دراستي الجامعية كنا ندرس كتبا من الجامعات الغربية , وكنت دائما أبحث بين المراجع عن كتاب ألفه شخص عربي أو مسلم , فأرتد خائبا ولا أجد إلاّ جيمس وطوني وكوتوموتو( يمكن ياباني ) , ولكن لن تجد واحدا من خير أمة أنزلت للناس , وآخر الفضائح هي عدم وجود أي جامعة عربية أو إسلامية في قائمة أفضل جامعات العالم , وبالطبع فلن تجد تلك الجامعات المتخصصة بتدريس الإسلام في تلك القائمة, واليوم صارت عندهم سنة جديدة في سرقة جهود علماء الغرب في أبحاثهم واكتشافاتهم , وادعاء أن إلههم قد ذكر تلك الحقائق في قرآنه قبل 1400 عام , ولكن ما يلفت الانتباه هو أنهم دائما يترقبون أن يقوم الغرب باكتشاف تلك المعجزات , حتى يأتي علمائنا المسلمين ليعنوا لنا الخبر السار , بأن أحد علماء الغرب والذي يعمل في مختبره قد اكتشف أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي اكتشف تلك الحقائق العلمية , ولكن يتجاهل أولئك المشايخ سؤالا مهما وهو : ولماذا لم تكتشفوا أنتم تلك الحقائق , ولا سلفكم الصالح , ودائما تنتظرون الغرب ليثبت لكم تلك المعجزات المزعومة , وهنا سيلجأ أخانا لنظرية المؤامرة وما بعدها من لخابيط لن أتعرض لها الآن

إلى هنا أكتفي بما كتبت على أن أعود في مقالٍ آخر لإكمال الحديث عن هذا الموضوع

ودمتم سالمين

أخوكم سهران

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

الخراف الضالة – عقدة بني إسرائيل


تشترك الأديان السماوية الثلاثة بعدة أمور تجعل الدارس لها يرى فيها تشابها واضحا من حيث التوحيد الذي جاءت به هذه الأديان الثلاثة وهي اليهودية المسيحية و الإسلام , ولكن ما يلفت النظر فيها هي التركيز على من أسموا أنفسهم بشعب الله المختار , فالتوراة جاءت لتقول لنا بأن الله قد اختار له شعبا واحدا من العالمين وهم نسل يعقوب بن اسحق أو إسرائيل كما تسميه التوراة , وقد أعطى الله لهذا الشعب ما لم يعطه لأحد , بل وأباح لهم قتل واستعباد الشعوب الأخرى , وكان لله ما أراد ونجّا بني إسرائيل من فرعون , وجعلهم يعبروا البحر , حتى إذ نجوا من فرعون بدأوا بمشاكسة نبيهم موسى , وانتهزوا فرصة خروجه إلى الجبل كي يأتيهم بشريعة الله فصنعوا لأنفسهم عجلا من الذهب عبدوه من دون الله , إلى آخر القصة المعروفة للجميع .
الشيء اللافت في هذه القصة هو أن الأديان الثلاثة قد أقرت بحقيقة تلك القصة , ولم يكن لينتهي الأمر عند هذا الحد , بل وجاءت مؤكدة لها , وفي الواقع فأنا قد لا أستغرب من وجود هذه العقيدة لدى اليهود فهم أهلها , وماداموا هم شعب الله المختار فلن يترددوا في ترديد تلك القصة العرجاء إلى الأبد , أما ما يحيرني فهو أن كلا من الدين المسيحي والدين الإسلامي قد جاءا مغازلين لتلك القصة ومقران بها .
وللتوضيح فخلافا لما يعتقده الكثيرون بأن الإنجيل هو كتاب المسيحيين , فإنه في الواقع يوجد لديهم ما يسمى بالكتاب المقدس , وهو عبارة عن العهد القديم وهو التوراة , والعهد الجديد وهو الإنجيل وأعمال الرسل , فمادام أن المسيحيين قد جعلوا التوراة جزءا من كتابهم المقدس , فهم بالتالي ملزمون به , ومرتهنين بنصوصه .
إن قصة بني إسرائيل تبدأ من أن الله قد اختار شعبه , ويمضي هذا الإله في غيه , ليرفض أن تعم رحمته إلا على شعب واحد , ويعدهم بأن يكونوا سادة العالم , وهذا ما يردده بعض الحمقى من اليهود وإلى الآن , فهل كانت الأديان اللاحقة بريئة من تبني هذه القصة ؟؟؟
أما المسيحية فقد ولدت من رحم اليهودية , فالمسيح كان يهوديا من أم يهودية , وجاءت بعثته إلى بني إسرائيل دونا عن بقية الأمم , حيث نجد في إنجيلهم (ثم خرج يسوع من هناك وانصرف الى نواحي صور وصيدا. 22 واذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت اليه قائلة ارحمني يا سيد يا ابن داود.ابنتي مجنونة جدا. 23 فلم يجبها بكلمة.فتقدم تلاميذه وطلبوا اليه قائلين اصرفها لانها تصيح وراءنا.24 فاجاب وقال لم أرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة.)انجيل متى- اصحاح 15 . وهذا النص لن يستطيع المسيحيون حذفه من كتابهم المقدس , ولن يستطيعوا تأويله بغير ما جاء به , فمسيحهم يقر بأنه لم يبعث إلا لليهود الذين وصفهم بالخراف , ومضت دعوة إلى نهايتها وحتى ساعة صلبه وهو مبعوثا لبني إسرائيل , فما الذي حصل بعدها , نجد أن المسيح بعد قيامته من القبر يقول لأتباعه (فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. 20 وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر.آمين) انجيل متى- اصحاح 28 , وهكذا فالمسيح لم يوجه دعوته يوما لمن هم من غير بني إسرائيل , وإنما طلب ذلك من تلاميذه بعد قيامه من القبر كما يزعمون , لتصبح المسيحية من بعده دينا عالميا بعد أن كانت حكرا على الخراف الضالة من بني إسرائيل.
وجاء الإسلام من بعده ليدور في نفس الحلقة , فإبراهيم هو أبو الأنبياء , وأبناؤه طبعا كانوا حكرا على بني إسرائيل , فيما تجاهل الشعوب الأخرى وتركهم بدون أنبياء , ففي الوقت الذي يمعن الله فيه بذكر بني إسرائيل وأنبيائهم يغيب عن المشهد أولئك الأنبياء الذين زعم أنه أرسلهم للأقوام جميعا , ويبقى في إطار الاحتكار اليهودي لمحبة الله وعطفه حيث يقول (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة 47] فلم يكن لله هم ولا شاغل إلا إرضاء شعبه المختار , ونسي شعوب العالم أجمع , ومنها من لم يكن يعلم بوجود اليهود أصلا .
ترى لماذا حشر الله أنبياؤه جميعا في فلسطين والجزيرة العربية ؟؟؟ لو أردنا إيجاد إجابة لهذا السؤال فالإجابة هي لأن الديانات الثلاثة هي في مجملها دين واحد , ليس من عند الله بالطبع , بل هو دين اليهود وإلههم الدموي العرقي , وما عقدة بني إسرائيل إلا نموذجا على ما نقول , فالمسيحية لم تستطع أن تخرج من عباءة اليهودية فضمت كتابها لها , وأصبحت التوراة تشغل الحيز الأعظم من كتابهم المقدس , وجاء محمد من بعدهم ليدور في نفس الدوامة , ويكرر ما فعلته المسيحية بسذاجة بالغة , ولو كنت حيا في زمن محمد , فكنت سأتمنى عليه أن لا يزعجنا بقصص اليهود المملة ويتكلم عن الأقوام الأخرى خارج الشرق الأوسط , ولكن هيهات .


لماذا يفضل الله العادل قوما على قوم آخرين , وما هي الميزة التي وجدت في اليهود حتى ينالوا التكريم الإلهي , وقصة عبادتهم للعجل تجعلنا لا نثق في أنهم كانوا مؤمنين , ولهذا فلم يكن لهم ما يميزهم عند الله سوى أنهم من نسل إبراهيم أو إسرائيل لو شئنا الدقة.
إن وعد الله لبني إسرائيل بتملك فلسطين يشبه وإلى حد بعيد وعد بلفور , والذي أعطى من لا يستحق أرض غيره ليكتب الشقاء على شعب لم يكن له من ذنب سوى أنهم ليسوا من النطفة الإلهية الطاهرة।
أخوكم سهران